المدونة

البودكاست في المنطقة العربية

كتبها رمزي تسدل، الرئيس التنفيذي لـ «صوت»، وترجمتها جنى قزاز من فريق صوت

شاركتُ  في «منتدى بودكاست الشرق الأوسط» والذي أقيم في مركز جميل للفنون في دبي يوم الجمعة ٤ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٩. جمع المنتدى في نسخته الثانية صانعي البودكاست من جميع نواحي المنطقة للتعلم والنقاش ومشاركة الأفكار.

يُعَدُّ المنتدى، الذي نظمته شبكتا البودكاست «مستدفر» و «كيرنينغ كلتشرز»، خطوة مهمة لتطوير قطاع البودكاست. خلال المنتدى وفي الأسابيع القليلة الماضية، اتضحت لدي عدة أمور: 

  1.  خلال السنة الماضية، ازدادت شهرة صناعة البودكاست وصُنَّاعه في المنطقة العربية بشكل كبير
  2.  هناك حاجة ملحّة لإنتاج محتوى عربي وأكثر تنوعاً
  3.  أمام قطاع البودكاست مجال كبير للتطور كسوق عمل في المنطقة العربية، لكن المؤسسات لا تحسن استغلال هذه الفرصة في الوقت الحالي.

 

في هذا المقال، سأحاول أن أشرح بالتفصيل كلاًّ من هذه النقاط.

 

ملاحظة حول اللغة: هذا المقال معني بشكل أساسي بالبودكاست باللغة العربية. لست متجاهلًا للبودكاست الناطق باللغة الإنجليزية عن عمد (بل على العكس تماماً، لدينا وستكون لدينا برامج جديدة بالإنجليزية)، لكن بما أن هنالك ٤٠٠ مليون متحدث باللغة العربية، فإن الفرصة التي نراها هي في اللغة العربية.

مثّلتُ صوت في جلسة نقاشية بعنوان "البودكاست كسوق عمل" مع فنيال ميديا وبوديو ومستدفر وبتيسير هبة فيشر من كيرنينغ كلتشرز. كانت ليلى العوف، وهي مستشارة تطوير أعمال "صوت" ومقيمة في دبي، ضمن الحضور أيضاً.

ازدياد الشهرة بشكل كبير

إن عدد برامج البودكاست في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في ازدياد سريع. في بداية عام ٢٠١٨، كان ما يقارب الـ٣٠٠ بودكاست. أما الآن، فإن عدد برامج البودكاست أصبح ٤٦٤ بحسبar-podcast.com ويمكننا الافتراض أن ليست جميع برامج البودكاست مسجّلة ضمن هذه اللائحة. هذا يعني أننا رأينا ازدياداً بنسبة ٦٠٪ خلال الـ١٢ إلى ١٨ أشهر الماضية.

 

رأينا ازدياداً هائلاً بمدى الاهتمام والحضور منذ نسخة المنتدى الأولى وحتى نسخته الثانية. أجل، مقارنةً بالأرقام العالمية، فإن العربية متأخرة عن برامج البودكاست الأخرى التي يبلغ عددها ٧٠٠,٠٠٠ إلى ٢ مليون.

في الجانب المستقل، لدينا مستدفر، وهي شبكة من السعودية تنتج وتدير برامج بودكاست منذ سنوات عدة (ما يقارب ١٤ برنامج بودكاست) وتصل إلى عشرات الآلاف من الناس في المنطقة. أطلقت فنيال ميديا مؤخراً مجموعة من برامج البودكاست العربية من ضمنها "ألف ليلة وليلة"، وهي نسخة صوتية من الرواية الشهيرة من الليالي العربية.

discussion
منتدى بودكاست الشرق الأوسط ٢٠١٩، مركز جميل للفنون في دبي الإمارات العربية المتحدة (ألكس أتاك/ كيرنينغ كلتشترز)

 

 

 

تدير «صوت» وتنشر أكثر من ١٥ برنامج بودكاست متنوعة المواضيع بين الجنسانية والدين والسياسة والموسيقى. سأناقش المواضيع بشكل أكثر تفصيلاً في القسم الثاني حول تنوع المحتوى العربي. «دكان» أيضاً موجودون منذ فترة ويلعبون دوراً مهماً في سوق البودكاست، ولديهم برنامج عربي اسمه "ركوة قهوة". ولـ«ثمانية» بودكاست تنتجه منذ عدة سنوات ومشهور اسمه «فنجان» وتركّز «ثمانية» على أشكال وسائط الإعلام الأخرى مثل الفيديو ولديها موقعها الخاص.

كيرنينغ كلتشرز - أحد منظمي المنتدى السنوي- شركة إنتاج صاعدة، وقامت مؤخراً بجولة من جمع التمويل الأولي  وكانت أول من يقوم بذلك، على الأقل بشكل علني، في الوطن العربي. على الرغم من أن معظم المحتوى الذي تنتجه باللغة الإنجليزية إلا أن هنالك عدة حلقات عربية تتحدث إحداها عن عهد التميمي من فلسطين، إضافة لبرامج عربية أخرى قادمة. 

أما فيما يتعلق بوسائل الإعلام التقليدية/الرئيسية، فأصبحنا أخيراً نرى مزيداً من الجهات الإعلامية تعطي اهتماماً للبودكاست. أولها وأكثرها انتشاراً إلى حد الآن هي الجزيرة، التي أطلقت ٣ برامج بودكاست، هي "لحظة"، و"رموز"، و"من الآخر"، وغيرها من البرامج قيد الإعداد. وهنالك أيضاً جهات إعلامية أخرى ستعلن عن برامج بودكاست جديدة قريباً.

على الرغم من هذا الازدياد في الاهتمام بالبودكاست، إلا أن المنطقة لا زالت تواجه تحديات من ضمنها الرقابة (سواء أكانت الرقابة الذاتية أو المفروضة من قبل الحكومة)، وقلة معرفة مستهلكي وسائل الإعلام بالبودكاست، إضافةً إلى فوضوية قطاع شركات البودكاست الناشئة.  

الحاجة إلى برامج بودكاست عربية 

حتى مع وجود هذه المؤسسات وغيرها من البرامج الفردية، تبقى الحاجة للمزيد من المحتوى العربي ولتنوعه، وهي برأيي باستطاعتها إما أن تحقق نجاحاً كبيراً أو فشلاً ذريعاً لسوق البودكاست في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. عندما تبحث عن برامج بودكاست على الإنترنت، ستجد أن معظم هذه البرامج تأخذ قالب المقابلة. وعلى الرغم من أن هذا القالب مشهور وإنتاجه غير مكلف، إلا أنه لا يساهم في تطوير ومساعدة النظام البيئي للبودكاست في أن يكون مبدعاً. 

برنامج صوت "دُم تَك" هو أحد البرامج النادرة التي تتحدث عن الموسيقى. كيف يعقل ذلك؟ الثقافة بشكل عام هي أحد الجوانب المتجاهَلة حين يتعلق الأمر بالمحتوى. أين هي برامج البودكاست التي تتحدث عن الأزياء، أو الفن، أو الكتب أو الشعر؟ تتنوع فئة الرياضة في مواضيعها، فعلى سبيل المثال هنالك بودكاست M2M الذي يتحدث عن الدوري الأمريكي لكرة السلة، وبرنامج يوفي راديو الذي يتحدث عن نادي اليوفي الإيطالي لكرة القدم. إضافة إلى ذلك فإن فئة ألعاب الفيديو تتنوع في محتواها أيضاً. 

إذا ألقيت نظرة على الفيديوهات الأكثر شهرة على يوتيوب أو على الأوسمة (الهاشتاغ) الأكثر انتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي، لن تجد/ي الكثير من برامج البودكاست التي تواكب هذه الفيديوهات والأوسمة. أين هي برامج البودكاست السياسية؟ أين يمكن للمرء أن يسمع برنامج أخبار أو برنامج أخبار يومية؟ بينما إن نظرنا إلى البودكاست باللغة الإنجليزية، أما على الجانب الإنجليزي، فنستطيع القول أنه قد تم استغلال فرصة برامج البودكاست الإخبارية اليومية.  كيف يعقل أن هنالك عدد صغير جداً من المؤسسات الإعلامية المستقلة التي تنتج برامج الأخبار؟ ومن ضمن هذا العدد الصغير هم أفراد ينتجون برنامجاً واحداً في الغالب. ومع أن هذا أمر في منتهى الروعة، إلا أنه لن يؤدي إلى مشهد بودكاست متطور، أو -سنتحدث عن هذا بعد قليل- إلى تجارة ربحية. 

 كما هو الحال مع معظم التحديات، فإن الفرصة هائلة. كل فئة تحتاج إلى المئات إن لم يكن الآلاف من برامج البودكاست. كما أن هنالك مواضيع لا يوجد عنها برامج بودكاست، إضافة إلى الأخبار اليومية، كالصحة وتطوير الذات، وهو موضوع شائع بشكل كبير في أماكن أخرى، والجرائم الحقيقة، وهو للصدفة ساعد في تنشيط سوق البودكاست (مثل بودكاست سيريال في موسمه الثالث الآن) 

منصات البودكاست الرئيسية في المنطقة هي Apple iTunes أو برنامج البودكاست، وكاستبوكس وساونكلاود وغيرها من المنصات التي تطول لائحتها. أما بالنسبة لصوت، فإن ٥٠٪ من مستمعينا يجدون برامجنا عبر آبل للبودكاست، وكاستبوكس، وساوندكلاود وسبوتيفاي. جوجل بودكاست تشهد تقدماً أيضاً لكن بشكل أبطأ. ويجدر بي أن أتحدث عن أنغامي فهي أيضاً تحاول أن تزيد برامج البودكاست على تطبيقها وأطلقت حملة يُتوقع أن تُرى نتائجها خلال الأسابيع القليلة القادمة. توجد منصات أخرى جديدة مثل "كتاب صوتي" و"بوديو" وهي شركات معنية بالتكنولوجيا و/أو منصات إنتاج محتوى معنية بالمنطقة بطريقة أو بأخرى

كلما ازداد وتنوّع المحتوى، زاد اهتمام التطبيقات والمنصات وزادت مساعدتها لنا في إيصال محتوانا إلى آذان المستمعين المهتمين.

meeting
برنامج Google / PRX Podcast Creators، بوسطن ماساشوستس
​​​​​

 

البودكاست كسوق عمل/بصفته سوق عمل 

لنلقي نظرة سريعة على الاتجاه الذي يأخذه هذا القطاع عالمياً قبل أن نلقي نظرة قريبة على منطقتنا الخاصة.

في الأشهر القليلة الأخيرة ولربما بالأخص حين أعلنت شركة سبوتيفاي أنها ستستحوذ على شركتي بودكاست، أصبح صنع البودكاست ربحياً. ومع تدفق المال إلى صناعة البودكاست، تغيّر النظام البيئي لسوق البودكاست. تحظى بعض البرامج المستقلة ببعض الاهتمام بينما تنتج الشركات الجديدة كل البرامج الأكثر استماعاً. 

"باين آبل ستريت" و"ودنري" و"بشكن إندستريز" هي بعض الشركات الجديدة من جهة، وهناك NPR  و PRX/PRI و"ذس أميريكان لايف" من جهة أخرى. (هل لاحظ أحد غيري أن "راديو لاب" -والتي نحن مدينون لها- لا تحصل على الاهتمام الكافي؟) إن الدفعة والحاجة لتقديم محتوى أعلى جودةً وأكثر تنوعاً قد دفعت هذا القطاع للتطور، وهذا ينطبق على القديم والجديد على حد سواء. بالطبع توجد العديد من المشاكل، لكن بشكل عام، فإن سرعة الابتكار قد ازدادت. "لومينيري" استطاعت أن تحوّل نظامها إلى نظام الاشتراك المدفوع وجمعت ١٠٠ مليون دولار أمريكي لتفعل ذلك.

وهذا لا يعبّر البتة عن التطورات التي يشهدها قطاع منصات التكنولوجيا حالياً. 

أين تكمن الفرص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ بالنسبة لصانعي المحتوى، فإن هناك عدة طرق لكسب الأرباح من البودكاست:

  1. أموال الرعاية، والتي يمكن تقسيمها إلى إعلانات والمحتوى المدعوم مالياً. 
  2. الإنتاج والخدمات 
  3. الفعاليات المباشرة
  4. العضوية والاشتراك
  5. الترخيص والمبيعات
     

إذا نظرنا إلى تطور الموسيقى، فإن معظم الفنانين كانوا يكسبون المال بفضل بيع الألبومات. وعندما بدأت هذه المبيعات بالتلاشي ولم تعد تعود عليهم بالأرباح، أصبحت الفعاليات المباشرة (الجولات الموسيقية) مهمة بشكل متزايد. وبينما يزداد انتشار التدفق الحيّ (live streaming)، تزداد أهمية الاشتراكات بالنسبة لصانعي المحتوى والمنصات.  

على الرغم من أن الإعلانات مهمة ويمكن أن تكون كافية لتمويل شركة ما، إلا أنها -برأيي- ليست كافية في منطقتنا. ومع أنها ستكون مهمة صعبة، إلا أن الشركات المبدعة والمؤسسات بدأت تلحظ إمكانية الإعلان من خلال هذا الوسيط، وهو اتجاه تأخذه الأسواق العالمية لكنه سيأخذ وقتاً ليصبح تقليدياً ومتعارفاً عليه ونموذج عمل يمكن الاعتماد عليه وحده، إلا أن هذه تجارة إعلانية إذاعية…   

الرعاية هي الخيار الاستراتيجي حالياً لدى "صوت"، كما هو الحال مع العضوية والاشتراك. اختصرت "لومينيري" الأمر وأخذت مسار الخدمات بالاشتراك كما هو الحال مع أمثلة إيجابية أخرى مثل الـ "واشنطن بوست" و"نيويورك تايمز" و"ذا نيويوركر" و"ذا إكونوميست"، إضافة إلى منصات تميل إلى التركيز على التكنولوجيا مثل "سبوتيفاي" و"نيتفليكس" و"هولو" و"آبل". 

الإنتاج كخدمة هو أمر استطاعت "صوت" أن تقوده بشكل جيد وهي تثبت نفسها في هذا المجال. لم نطبق بعد الفعاليات المباشرة أو الاشتراكات والعضوية لكن كلاهما ضمن خطتنا في الـ ٦ إلى ١٢ الأشهر القادمة. 

أن تستثمر برأس المال أم لا؟ 

هناك جدال كبير حول الاستثمار برأس المال للبودكاست. وثقت شبكة "غيمليت" رحلتها في البودكاست المشهور الذي تنتجه "ستارت أب" وأُطلقت منه سلسلة جديدة وأخيرة لتوثّق ما حصدت من هذه التجربة، ولربما كان نجاح هذا البودكاست عاملا مساهما في نجاحها في جمع المال، إن معظم المنصات لن تستطيع أن تفعل ذلك، وقد استطاع أشخاص مثل "جنا ويس-بيرمان" أن يديروا "باين آبل ستريت" دون الاستثمار برأس المال. أما بالنسبة لـ"وندري" مثلا، فاستطاعت أن تجمع تمويلاً جيداً وأن تنتج محتوى حاز على أرقام استماع عالية بفضله. وهي تجرب الآن مزيجا من الاشتراك والمبيعات الإعلانية، إضافة إلى ترخيص محتواها، لدينا في المنطقة شركة واحدة استطاعت أن تجمع المال بشكل علني ولا نستطيع أن نجزم بعد مدى فاعلية ذلك.

سوق العمل هذا قوي، لكن يجدر الذكر أننا في منطقتنا نحتاج إلى التفكير بشكل مبتكر ومختلف عن باقي الأماكن. إن سياقنا هذا مختلف، لذا فيجب أن نبتكر حلولاً مختلفة على كلا الصعيدين، صناعة المحتوى ونموذج العمل، لتخدم نظامنا البيئي المزدهر والصغير. 

نحن في «صوت» متحمسون للردود التي نتلقاها والعائد المالي الذي أصبحنا نصنعه. وكما اتضح لنا خلال منتدى بودكاست الشرق الأوسط في مركز جميل للفنون في دبي، هنالك الكثير من الاهتمام من كل الجهات.

أين سنذهب في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؟ كيف سنصل إلى هناك؟ نحن من يقرر ذلك. 

رمزي تسدل هو المدير التنفيذي لـ"صوت" ومقيم في العاصمة الأردنية عمّان.