منيرة المهدية

منيرة المهدية

في بودكاست "دُمْ تَكْ" لمعازف ومنصة صوت بنروي سيرة فنّانات عربيّات، موهبتهم جابتلهم وجعة راس بحياتهم...

نص الحلقة

منيرة المهدية

قاسية، خطيرة، سلطانة، ست الستات، ما بتأمّن لحد. هاي هي الصفات اللي استعملتها عدة مقالات لوصف المغنية الاستثنائية منيرة المهدية في عشرينيات القرن الماضي.

بواحدة من هالمقالات منشوف صور مرفقة لمنيرة حاملة فيهم مسدس، مصوب تجاه هدف خارج إطار الصورة. وبصورة تانية كانت حاملة بندقية ومصوبتها بشكل مباشر في نفس الاتجاه. 

فينا نقول إنه هالصور كانت تهديد مبطّن لأعداء منيرة، كانت بالضبط متل صور القادة والملوك اللي كانوا مصوبين رشاشاتهم وبنادقهم القناصة واللي انتشرت في فترات التوتر لتحمل رسالة للأعداء والمعارضين وتقول بوضوح: بنجيبك ولو كنت بآخر الدنيا.
منيرة كان عندها عداوات كتير، لكن على عكس بطلاتنا السابقات كانت هي البادئة بالمعارك في أحيان، ووقفت بوجه ناس كتير وأهمهم الإنجليز زي ما حنرويلكم بهالقصة. 

*****

مرحبا فيكم ببودكاست "دم تك" لمعازف ومنصة صوت. أنا رنا داود. بهالبودكاست منروي سيرة فنّانات عربيّات، موهبتهم جابلتهم وجعة راس بحياتهم، بس أنتجتلنا مخزون موسيقي منروّق نحنا فيه راسنا.

*****

منيرة انولدت بإسم زكية حسن منصور في محافظة الشرقية في مصر سنة ال88 حسب ما بقولوا بعض المؤرخين.. والدها توفى وهي عمرها سنتين، وبعمر 8 سنين توفّت إمها، ولأنه ما ضل حدا يدير باله عليها، لعبت هاد الدور أختها الكبيرة وربتها. من اللي قالته منيرة عن طفولتها يبدو إنّه أختها كانت قاسية وشديدة، بس كانت قسوة عن ود واهتمام، مش القسوة تبعت مرة الأب اللي متعارف عليها متل ما بتصورلنا الأفلام من سندريلا وجرّ. 

كانت الأخت مصممة إنّه منيرة تتعلم، لكن بس للحد الأدنى من التعليم، عشان تتجوز بعدها وتقعد في البيت.

منيرة ما كانت فاهمة هالحكي كطفلة، وطبيعتها المتمردة فرضت نفسها من بكير، وبدل ما تروح عالمدرسة كل يوم، كانت تنزل لآخر الشارع، وبس تبعد عن البيت تشلح أواعي المدرسة وتركض في الشارع تلعب مع بنات وولاد الحي. 

كانت تعمل هيك كل يوم، وبآخر اليوم تمر على محبرة في الحي المجاور لبيتهم، وباتفاق ضمني مع صاحب المطبعة تنقط نقط حبر على إيديها، وأوقات كمان على مريول المدرسة. 

أختها الكبيرة ما كانت تقرا ولا تكتب، وبالتالي ما كانت تقدر تختبر منيرة بشو تعلمت، وعلى أي حال ما كان في أي سبب تشك في اللي عم بصير. لحد ما اجا خبر من المدرسة بستفسر عن منيرة، وبيسأل عن سبب غيابها الطويل عن المدرسة. 

بغضب وحدّة واجهت الأخت - منيرة بهالخبر، وبسرعة وذكاء ردت منيرة بغضب برضه إنّه هذا الكلام مش صحيح، وإنّه المدرسة، طلابًا وأساتذة، غيرانين منها لأنها أحدق وأذكى طالبة في المدرسة، وبدهم يخلصوا منها.

كان اقتناع منيرة وشغفها في الدفاع عن نفسها شديد لدرجة إنّه الأخت سكتت، وطلبت منها بعدين إنّها تقرألها إشي.

فتحت قدام منيرة كتاب. ومنيرة، بكل ثقة قرأت كلمات وحدة من الأغاني اللي كانت حفظتها في بداية أيامها المدرسية. 

الأخت ما عرفت شو تقول، وقالت لمنيرة فعلًا معك حق.

بعد مشكلة كبيرة عملتها أخت منيرة بالمدرسة عشان هالموقف، انتقلت منيرة لمدرسة ثانية، والأهم من هيك، إنّها نفدت بعملتها.

بتقول منيرة إنّه بهاي اللحظة استوعبت شو عملت، إنّها طفلة بتلعب بالشارع حطت على أختها الكبيرة القوية وعلى إدارة مدرسة بحالها كمان.

الشيء السيء الوحيد اللي نتج عن هاي القصة كلها إنّه صارت منيرة مضطرة تداوم بالمدرسة الجديدة، لأنه الفيلم نفسه ما كان رح يمرق مرتين. 

كره منيرة للمدرسة كان كبير برضه في مدرستها الجديدة، وتغلّبت كتير لحتى رجعت لحقت بالبنات اللي بعمرها وتعلمت شوية قراءة وكتابة.

وخلال الطريق الطويل من المدرسة للبيت اللي كانت تمشيه مع صديقاتها الجداد، اكتشفت منيرة بعمر 8 سنوات إنّها بتقدر تغني. 

منيرة الطفلة ما كانت فاهمة هالموضوع، رغم إنه الناس كانت تتجمع حواليها وستات البيوت يطلعوا عالبلاكين وهي مارقة وصوتها بيصدح بالشارع. حتى وصل صيتها لأختها، اللي حبت الموضوع وعجبها. 

ما بنعرف بالزبط كيف تحول موضوع الغنا عند منيرة من الهواية للجد وإذا كان إله علاقة بأختها أو لأ، بس اللي بنعرفه إنه اختها (معلش جربنا نعرف إسمها عشان ما نضل نقول أختها، بس ما وصلنا لمعلومة، إنتوا بتعرفوا؟) أول ما تأكدت أختها إنه منيرة عندها الحد الأدنى من مهارات القراءة والكتابة، سحبت منيرة من المدرسة وقعّدتها بالبيت لتلاقيلها رجال ملّاك أراضي زي زوجها.

منيرة كملت تغني في الملاهي الليلية في الزقازيق، وفي سنة 1905 سمعها بحفلة من الحفلات واحد من أصحاب المقاهي في القاهرة، وكان اسمه محمد فرج.. ويقال إنّه أعجب بصوتها وحضورها جدا.. حتى إنّه "أغواها وأخدها معه عالقاهرة".

مسيرة منيرة في القاهرة كانت قوية جدا.. فكانت تعرض في مقهى محمد فرج الي صحيح كان صغير وبسيط،  لكنها قدرت تبهر بصوتها وتجذب ناس مهمين وكبار مثل الشيخ سلامة حجازي (اللي كان مثلها الاعلى)، وسليمان قرداحي وابراهيم قباني.. وبسرعة كبيرة صار اسم منيرة مهم كثير في عالم الغناء. وهالحكي بالإضافة إلى صوتها الجميل المدوي واللي ما صار زيه لحد ما ظهرت أم كلثوم، وهذا الشي بأكد عليه نجيب محفوظ في أحد نصوصه عن الموسيقى اللي أعيد نشره على معازف، وهو إنه لما بدا يسمع عن أم كلثوم، ما صدق أبدًا إنه فعلًا في موهبة جديدة عندها صوت يتفوق على صوت منيرة المهدية. ما قدر يتخيل إنه ممكن يكون في هيك صوت.

لكن موضوع أم كلثوم بنرجعله بعدين. 

منيرة انطلقت انطلاقة صاروخية، ساعد فيها بالإضافة لصوتها الممتاز كونها أول امرأة مسلمة مش بس بتظهر على المسرح، وإنما أول امرأة على الإطلاق بتظهر على المسرح وهي كاشفة عن وجهها وشعرها.  

منيرة اشتهرت بغناء الطقاطيق، وكانت الطقطوقة بالعشرينات قالب جديد بالغناء اللي لا هو موشح ولا هو موال‏، إنما هو شكل جديد بالغناء بيتحلى بالرشاقة وخفة الظل والحركة‏، ومن هيدا المنطلق فينا نقول إنه منيرة المهدية أبدعت بالطقاطيق.. 

خذوا على سبيل المثال الطقطوقة هاي بعنوان "حبّك يا سيدي".

سنة 1914، بعد ما تأكدت منيرة من شهرتها ونجاحها وصار معها شوية فلوس، قررت استئجار مقهى صغير بحي "الأزبكية"، وأطلقت عليه مقهى نزهة النفوس. وفي صيف 1915 ضجّت شوارع القاهرة عن ظهور اول ممثلة مصرية في فرقة عزيز عيد، وهالممثلة كانت منيرة المهدية. 

بهداك اليوم امتلأ مسرح الشانزليزيه في القاهرة ليشاهدوا الناس اول ممثلة مصرية على المسرح، مع انها كانت تمثّل دور رجل في مسرحية "حسن" للشيخ سلامة حجازي.

 بعد هالنجاح المذهل الي حققته قررت منيرة تنفصل عن فرقة عزيز عيد، وتكوّن فرقة خاصة فيها، وقدّمت مع هالفرقة على مسرح برنتانيا اعمال مسرحية غنائية مثل شهداء الغرام، عايدة، صلاح الدين وصدق الاخاء… وبسرعة صارت تلقب بسلطانة الطرب. 

بسرعة كبيرة تحولت منيرة لحبيبة البكاوات والبشوات، لخفة دمها وطقاطيقها المفرفشة 

مقهى نزهة النفوس صار بسرعة أحد أهم المقاهي والمسارح في مصر، ومنه كانت منيرة تغني أغاني مناهضة للاحتلال الانجليزي مثل "كلهم يومين ويمشوا"، وأغاني كثيرة ثانية تغنت بأبطال المقاومة وذمت الاحتلال الانجليزي، وإن كان في رسائل مبطنة بعض الشيء ما انتبهولها الانجليز أو تغاضوا عنها. الإشي الغريب هو إنّه في ثورة ١٩١٩ سكر الانجليز كل المقاهي والمسارح، إلا مقهى نزهة الأنفاس، واللي ضللت منيرة تغني منه ضدهم، حتى انتشرت عبارة "هواء الحرية" عن مسرح منيرة المهدية. 

وفي سنة 1918 تزوجت منيرة من محمود جبر، مدير مسرحي الي اصبح بمثابة مدير اعمالها.. إلّا انه ومثل جميع الفنانات الي حكينا عنهم في حلقات سابقة، ما دام زواج منيرة طويلًا، وانتهى بالطلاق بعد أربع سنوات بسنة 1922.. 

قررت منيرة المهدية أنه تبعد شوي عن مصر وعملت جولة فنية استمرت ثلاث سنين في سوريا ولبنان وليبيا والعراق وتركيا وإيران وفلسطين وقدمت خلالها كثير من الأعمال المسرحية والغنائية.

أول محطة وقفت عليها منيرة في جولتها في بلاد الشام كانت حيفا، في بستان الإنشراح.. 

 في جولتها في فلسطين، سموها الفلسطينية البرنسيس Princess لأنهم تفاجأوا من كونها، على عكس كل الفرق اللي بتيجي، بتستنى يومين ثلاثة لتاخد هي وفرقتها راحتهم من السفر، وبعدين بتعمل عرض أو عرضين وبتمشي، وهاي كانت تعتبر بهذاك الوقت رفاهيات أمراء وأغنياء، وبالتالي افترض الناس فعلًا إنّها برنسيسة. 

بعد عرضها في فلسطين طلعت منيرة عالشام، ومن هناك أخدت قرار جنوني، 

بتقول منيرة إنها زهقت وهي في الشام وقررت ترحل من هناك، لكن لوين؟ 

كانت بتقول إنه مصر بتنفّرها، لأنه تعذبت فيها عذاب مش قليل.. ولهيك قررت تسافر للجهة التانية.. فـبتقول: 

أنا ما بحبّش الخمول أبدًا.. إنّما بميل دايما للحركة وللنزول في المخاطر، وبندفع وقت ما بحس إني بقاوم خطر حقيقي، فبواجهه بلذّة الانتصار.  

تذكرت منيرة إنه حكولها مرة عن طريق بوصّل لبغداد بس رح يكون خطير كتير. قالولها إنه ع طرفين الطريق فيه عصابات لصوص وبلطجية، ما بخلّوا حدا ما بيقتلوه أو بيسرقوه، حتى لو كان من الحكومة. 

قلت لنفسي إن دي فرصة أكتشف فيها حاجة جديدة. ما كانش لازم تفوتني أبدا.  

تاني يوم، قالت منيرة لفرقتها يضبّوا أغراضهم لحتى يسافروا على بغداد. جنّ جنون اعضاء فرقتها ، وفي منهم صار يبكي دموع.. إنه كان معروف اللي بسافر لبغداد عن طريق الجبل مفقود وما فيه أمل يرجع. باليوم اللي بعده، ضبّت الفرقة أغراضها وطلعت ع طريق الجبل قبل حتى ما يطلع الضو ويصحوا الناس. بتقول منيرة:

لما الناس صحيت، دوّروا عليّا وما لاقونيش، عرفوا إني سافرت بغداد. قاموا يعيّطوا وينوحوا زي ما قالولي بعدين.. 

كنت حاملة سلاح كأني جندي نازل يقاتل في معركة.

مسدّسي مليان بالرصاص، الرشاش معايا، والخنجر بتاعي جاهز، ومعايا كل مجوهراتي وصيغتي اللي ما يقلّش سعرها عن سبعة آلاف جنيه.

في الطريق، ما كنتش خايفة، على العكس، حسيت وكأني في رحلة مع أصدقاء، بيسرحوا وبيمرحوا، لكن كل أعضاء الفرقة معها بيخافوا من كل صوت وخيال.. 

لما يخيّم الليل كانوا يناموا في الخلاء، منيرة تتولّى الحراسة بالبندقية أحيانا وينام باقي زملائها. لكن في لحظة ما، بالرغم من شغف منيرة للمغامرة، خافت وبكيت. 

كان لازم نعدّي فطريق ضيّقة أوي، الجبل من ناحية، ومن الناحية التانية وادي عميق. الوقوع فيه قاتل.. 

لو هجم علينا حراميّة ما فيش قدامنا غير حاجتين: يا إمّا نطلع الجبل وده مستحيل طبعا، يا إمّا نقلب في الوادي على طول.

كانت ماشية قدامنا عربية كبيرة جارّتها الخيل، ولمّا نفرت الخيل اتقلبت العربية وطاحت وكل ركّابها راحوا قالبين في الوادي.

بصّيت ولقيت أشلاء في كل مكان.

حسّيت بالحزن اوي، لحد ما وصلنا نهاية الطريق دة، لقينا صخرة ملطخة بالدم، كأنها ساحة إعدام في عهد ثورة من الثورات! 

ولأول مرة لقيت نفسي بعيّط .. 

الناس دول زّينا، اتقتلوا في الحتة دي..فجأة لقيتني وقعت في بيئة كلها جرائم وآثام والعياذ بالله.. 

كان من المستحيل ابدا اننا نعدّي الطريق الجبلية دي من غير منواجه عصابات ولصوص.. 

وفعلا… 

كنا ماشيين فوسط النهار، فجأة سمعنا ناس بتزعّق 

جزء من مجموعتنا طلب انّنا نكمل، والبعض الآخر اقترح التنحي جانبا.. 

ما كنش ممكن اصلا التنحي جانبًا، وفعلا كمّلنا الطريق لحد ما وصلنا مصدر الزعيق.. 

وإذ بعصابات اللصوص دي هاجمت عربية تانية كانت سبقانا.. 

ودمّهم نزل في كل حتة.. 

فجأة لقينا نفسنا محاصرين بوشوش مغبّرة مشحبرة ومعاهم سلاح مبيخلصش

حسّيت إنها النهاية

لكن بلحظة خطر، رحت مبتسمة، شدّيت نفسي وزّعقت فيهم 

"السلام عليكم يا عرب" 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته!  

مشينا واحنا على يقين انهم لسا هيهاجمونا.. لكن في الحقيقة محدّش هجم علينا ونجينا.. إزاي ؟ الله اعلم!

لكن من وقتها، وأنا على قناعة تامة بإنه الله عز وجل بيحبني، وبيحميني.. ومن النهار-دوّت وأنا متوكلة عليه في كل حاجة.. 

لتكن إرادته، ولتنفّذ مشيئته. 

وصلت منيرة وفرقتها بغداد.. وذاع صيتهم كونهم نجوا "طريق الموت" كما أسماها أهل بغداد، عظّموهم وجلّلوهم.. حتى إنه الحاكم فوجئ جدا لما عرف انه هاي نفسها منيرة المهدية اللي بيسمعها في الفونوغراف وبرنسيسة حيفا، هي اللي اجتازت طريق الموت بهالبطولة. 

قضت منيرة شهر مع فرقتها في بغداد.. ولما إجى وقت عودتهم لمصر، قررت ترجع نفس الطريق. تجاهلت معارضة الجميع وعملت يلي براسها كمان مرة، وكمان مرة شافت نفس مشاهد الموت لكن هي وفرقتها نجوا منه.

أكتر ما بثير الاهتمام بهاي الصورة هو براعة منيرة المهدية في السرد، والصورة التي حاولت بناءها لنفسها، قاهرة الرجال، قاهرة الجبال الوعرة، حبيبة الله، عنيدة، متهورة، واثقة، وهي صور تخالف حتى الصميم صورة المرأة الفاضلة كما انتشرت تلك الأيام. وفي هذا نلمح جزءًا من تفرّد منيرة في وقتها وعبر التاريخ. في الكثير من صورها منلاقي منيرة مش بس مسلحة، أحيانا منلاقيها لابسة زي رجالي، غير انها أدّت ادوار الرجل في أنجح مسرحياتها مثل روميو وجولييت. 

هي امرأة صلبة بلا شك، خلقت لنفسها بنفسها تصوّر لشو لازم تكون، صورة ما بتنصاع للشرق أم للغرب، صورة بنتها بنفسها وجسّدتها بنفسها، ما بتنطبق غير عليها. 

لما رجعت منيرة من سفرها على مصر سنة 1925، اكتشفت إنّه طليقها الي هو مدير اعمالها كمل شغل من غيرها مع فتحية أحمد، ومشي بنفس العروض اللي عملوها مع بعض وبكل بساطة بدل اسمها باسم فتحية أحمد، النجمة الصاعدة في وقتها.. بالطبع هذا الموضوع أثر كثير في منيرة، مما ادى لإنها تعتزل الغناء.. 

منيرة إلها فضل كبير على عدة من أهم رجالات القرن الماضي، فالموسيقار محمد عبد الوهاب مثلًا، اللي ما تعدى جمهوره قبل لقاؤه بمنيرة ببعض رجالات الدولة والمتنفذين، حقق الشهرة الواسعة بعد ما لعب دور البطولة مقابل منيرة بغنائية أنطونيو وكليوباترا.

انبهر النقاد بأدائهم، ويمكن بعبد الوهاب أكثر لأنه كان مغمور إلى حد ما حتى ظهوره بهالمسرحية. 

تأزمت علاقتهم ببعض بعد هذا النجاح حتى اتهم عبد الوهاب منيرة بأنها غارت منه وقلقت على نفسها، وردت منيرة بقصة مقنعة أكثر، وهي أنه عبد الوهاب طلب برفع أتعابه بشكل بصير صعب فيه إنّه العرض يستمر. وهيك ترك عبد الوهاب المسرحية وبعد بعض محاولات استبداله فشلت المسرحية وبطلت تنعرض.

اشتهرت افتتاحية رواية The Go Between كثير، أكثر من الرواية نفسها. الافتتاحية بتقول: الماضي بلاد غريبة، يفعلون الأشياء بطريقة أخرى هناك. The past is a foreign country, they do things differently there.. الأحداث اللي عم نحكي عنها صارت قبل مية سنة، ولذلك محاولة تصنيف منيرة المهدية من بعض الباحثين والكتاب بمعايير اليوم تمرين مغلوط وغير منطقي، وليزبط، زي ما بصير مع كثير كتاب ومفكرين وفنانين، بيضطر هذول الكتاب دائمًا إنّهم يتغاضوا عن كتابات وأعمال وتصرفات أساسية في تاريخ الكاتبة أو الفنان. 

ففي أحداث بحياة منيرة المهدية تتعارض مع توصيفها كتحررية أو تقدمية أو نسوية. أحد هذه الأحداث كادت تكون ضحيتها أم كلثوم. كانت منيرة اعتزلت الغناء لعشرين سنة تقريبًا، وبعدين بسنة 1948 قررت ترجع. برجعتها كانت أم كلثوم عم بتكسر الدنيا بنجاحها، وفش شي مهديها. وكان فعلًا صوتها أقوى من صوت منيرة، وعدا عن هيك، ولأنها تدربت في صغرها على إيد مقرئين وكانت هي مقرئة، كانت مخارج الحروف عندها ممتازة، وهذا كان من المآخذ على أداء منيرة، إنّه مخارج الحروف لديها مش سليمة تمامًا.

بداية تنكرت منيرة بملاية وغطت وجها بالبرقع وراحت تحضر عرض لأم كلثوم، ومن قد ما كان عرض أم كلثوم قوي ومؤثر، ومن قد ما تفاعل معها الجمهور يقال إنّه منيرة ما قدرت تكمل العرض، وحملت حالها وراحت.

 فينا نتخيل منيرة المهدية ببيتها هديك الليلة مش عارفة تقعد، حاسة بالتهديد الشديد بسبب هاي الموهبة الطاحنة اللي أخيرًا شافتها بعينها وتأكدت إنّها بالفعل كل ما يقال عنها. فينا نتخيلها سهرانة لحالها، بترسم خطة لتحييد هذه الموهبة اللي رح تزيحها عن عرشها. 

في حربها على أم كلثوم لجأت منيرة المهدية للصحافة. بدأت تتقرب من صحافي اسمه محمد عبد المجيد حلمي، صاحب مجلة المسرح، إحدى أهم مجلات المسرح في القاهرة وقتها

بسهولة جنّدت منيرة الصحافي وخلته يشن حملة ضروس على أم كلثوم بسلسلة مقالات كان عنوان أحدها ”مئات العشاق ولا أدري ماذا يحبون فيها؟“. 

لكن هاي المقالات فشلت تجيب نتيجة.. 

فققرت منيرة تاخذ حربها لمستوى تاني، وسربت إشاعة من خلال مقالات محمد حلمي، وهي إنه سبب انتقال أم كلثوم من الريف إلى القاهرة بيتعلق بشرفها. وبعدين بتفاصيل أكثر، قيل إنه أم كلثوم تعرضت للاغتصاب في قريتها وعشان هيك لجأت إلى القاهرة هربًا من الفضيحة. 

هالتهمة كانت خطيرة جدا بهديك الأيام، وبعدها خطيرة بأيامنا للأسف. وكادت تقضي على مسيرة أم كلثوم في بداياتها من ناحيتين.

 أولًا: من ناحية الجمهور اللي كان حيعتبر إنّه أم كلثوم مرأة بلا شرف وبالتالي غير جديرة بالاعتبار كفنانة ومطربة 

اما الخطر الثاني كان من والدها لأم كلثوم، اللي يقال إنه نوى إنه يقتلها ليغسل عاره.

هذا الخطر على حياتها تم تحييده بتدخل بعض العقلاء واللي كان الهم وزن اجتماعي كبير، واللي قعدوا مع والد أم كلثوم وشرحوله إنّه اللي سمعه إشاعات مغرضة لا مكان لها من الصحة.

 تابعت أم كلثوم مسيرتها والإشاعات اختفت لحالها بعد فترة.

على حسب شهادة الكاتب فكري اباظة محمد حلمي اطلق شائعات قضية "الشرف" والاغتصاب من حبه وغرامه في سلطانة الطرب منيرة المهدية.. 

على غير علم انه الشائعات هاي راح تعمل تأثير عكسي، بحيث انها زادت من اعجاب الجماهير بالموهبة الشابة ام كلثوم.. 

بدون اي شك كانت المنافسة بين منيرة  وام كلثوم كبيرة ، واخذت شوط طويل.. اي انها استمرت لسنوات الثلاثينات.. حاولت فيها منيرة تحافظ على عرشها كسلطانة الطرب المصرية، لكن انتهت بإنتصار ام كلثوم.. 

بعد هاي الفترة الصاخبة سلمت منيرة المهدية بهزيمتها واختفت عن المسرح كمان ٢٠ سنة. 

لكن ضل هالحافز جوّاتها واصر على انها تعود للمسرح.. 

بسنة 1948 جرّبت منيرة ترجع.. في حفلتها الاخيرة، وصفها الدكتور زكي نجيب محفوظ انها كانت تغريدة البجعة الاخيرة.. 

التغريدة الي بتصدرها البجعة فقط قبل الرحيل.. 

قررت منيرة ترجع للأضواء، لكنها كانت شبح منيرة 

اصرّت ام كلثوم تحضر الحفل تقديرا لسلطانة الطرب، سيدة المسرح المصري.. 

ويقال انه نزلت دموع ام كلثوم مع سدل الستار على منيرة قبل ما حتى تنهي وصلتها الاولى، لفشلها بالإستمرار في الغناء، بسبب ضعف حنجرتها.. 

وهيك اختفت منيرة عن الساحة الفنية في مصر، ولكن ذكر على لسان الكاتب محمد صالح إنه منيرة المهدية كانت عطول تسمع حفلات أم كلثوم في الخميس الأول من كل شهر، وضلت تعمل هيك حتى وفاتها سنة 1965

 لمّا انسألت عن الموضوع كانت تقول: «حد يقدر ييجي له نوم والست بتغني؟».

يبدو من انه من شهادتها فينا نفهم ان سلطانة الطرب تأكدت انه لكل عصر فنانيه، وانه لا بد من التغيير فأرتضت بنصيبها من الشهرة واكّدت على موهبة كوكب الشرق. 

****

قصة هالحلقة كتبها معن أبو طالب من فريق معازف وساهمت بالكتابة عايدة قعدان. حرّرتها صابرين طه، ومنتجها تيسير قباني من صوت، وقدّمتلكم ياها أنا رنا داود. أمّا دور منيرة التمثيلي فأدّته دينا محمد نجيب. اشتركوا بقناة دم تك على أي وسيلة بودكاست بتفضّلوها وتابعونا لتسمعوا قصص فنّانات عربيّات بالحلقات الجاي.

 


رصيد الأغاني بحسب ظهورها:

أسمر ملك روحي، منيرة المهدية 

طقطوقة يا عينك يا جبايرك، منيرة المهدية

والنبي يامه تعذريني، منيرة المهدية 

بنت الشلبية، منيرة المهدية

Carol of the bells, tim neumark

طقطوقة حبك يا سيدى، منيرة المهدية

طقطوقة بعد العشا، منيرة المهدية

حبيبي أنطونيو، منيرة المهدية

أنت عمري، أم كلثوم

demonstrates the qanun, bassem alkhouri

والنبي يامه تعذريني، منيرة المهدية