نهاوند

نهاوند

في بودكاست "دُمْ تَكْ" لمعازف وصوت بنروي سيرة فنّانات عربيّات، موهبتهم جابلتهم وجعة راس بحياتهم، بس...

نص الحلقة

نهاوند

وقفت لوريت على الكورنيش قبالة صخرة الروشة ببيروت. تأمّلت البحر من الحفّة العالية. شافت الموج عم يضرب بالصخر. حست بالهواء عم يلعب بفستانها. 

أخدت نفس عميق، وببالها في مليون لحن عم يرنّ. 

أخدت خطوة لقدّام لصارت عطرف الحفّة بالزبط، وقرّرت تنط.

رح إحرقلكم القصّة: بهيداك النهار بسنة ال١٩٣٨ لوريت ما انتحرت. بس خلقت بإسم جديد: نهاوند.

مرحبا فيكم ببودكاست "دم تك" لمعازف ومنصة صوت. أنا رنا داود. بهالبودكاست منروي سيرة فنّانات عربيّات، موهبتهم جابلتهم وجعة راس بحياتهم، بس أنتجتلنا مخزون موسيقي منروّق فيه راسنا. 

بالحلقة الأولى من هالسلسلة منتعرّف على "نهاوند" من خلال قصة كتبتها نور عز الدين لمعازف، ورح نرويها نيابة عنها. جرّبنا ننفض الغبرة عن المعلومات المتاحة، وإذا برأيكم غفلنا عن أي تفصيل، خبّرونا شو بشدّكم أكثر لسيرة هالفنّانة من خلال تعليقاتكم على مواقع التواصل.

قصة المطربة نهاوند كانت مخباية عني، لحد ما رفيقي بعتلي رابط أغنية إلها. سمعتها وعجبتني. حبّيت إفهم مين هي صاحبة هالصوت فبلّشت فتّش عنها عالإنترنت. الحقيقة ما لقيت شي حرزان عن نهاوند، فاستغربت. قضّيت ساعات جمّع أغانيها من هون وهونيك.

كلّ اللي قدرت أعرفه إنّها لبنانيّة واسمها الحقيقي لوريت كيروز. ماتت بالـ ٢٠١٤ وقت ما تقريبًا كان عمرها تسعين سنة. الصراحة في مصادر بتقول إسمها كان لارا ومحلّات تانية بتقول لورا، وما في ولا مصدر يثبّت أي إسم هو الصح. حسّيت إنّو أغلب اللي انكتب عنه بالصحافة إشاعات، القصص عن حياتها الفنيّة كأنها متضاربة وفيها فراغات. كل ما صرت إسمع أغانيها أكثر، وكل ما بحبشت أكثر، زادت قناعتي إنّه مستحيل نهاوند ما يكون وراها قصة. وبما إنّي مهووسة بالموسيقى العربيّة القديمة، قررت لاقي قصّتها بنفسي.

الشي الوحيد المشترك بمعظم الأخبار عن نهاوند كان اسم الكنيسة يللي صللوا فيها على روحها. اسمها كنيسة مار سمعان العامودي الموجودة بضيعتها يحشوش بجبل لبنان. قلت بركي الكنيسة بتكون مفتاح القصّة، وتوجّهت على يحشوش مع صديقي. 

بعد مشوار شي ساعة وشوي من بيروت بالسيارة، وصلنا على ساحة الضيعة بالجبل. التقيت بأطفال بساحة الكنيسة وسألتهم إذا سامعين بإسم لوريت كيروز، ضلهم مبلمين لحد ما قلت إنها كانت مغنية وكانت مشهورة باسم نهاوند. قالوا إنهم سمعوا عنها من أهاليهم بس ما بيعرفوا شي عنها. دلوني على رجال كبير عم يفوت عالكنيسة وقالولي: ”روحي عند عمو طانيوس هو أكيد بيعرفها".

كان مبيّن على العم طانيوس إنّو بالثمانينات من عمره وكان سمعه ضعيف. كان واضح انو طوّل لشافني، بعد محاولات عديدة، وبعد ما سمع اسم نهاوند، اتطلع فيني وصفن وقال :”إي نهاوند طبعاَ بعرفها، هاي رفيقتي كانت ترتل هون، غمضي عيونك بتسمعي صدى صوتها“. وابتسم. دلني على الحي اللي عيلتها ساكنة فيه. قال هنّي بس بيعرفوا قصتها.

أخدني المشوار شي ثلث ساعة وأنا ضايعة وعم بسأل. كلّ حدا التقيت في استغرب ليش عم بدور على امرأة جار عليها الزمن وتوفت بهدوء بدون كاميرات واهتمام إعلامي. حتّى فيه حدا سألني إذا كان صوت نهاوند مستاهل مشوار من بيروت.

وصلنا عند قرايب لوريت. فتحتلي الباب امرأة في الخمسينات وتمعنت فيي، وما تجاوبت معي لحد ما نطقت اسم نهاوند. ضووا عيونها ونادت لكل الموجودين بالبيت. قعدنا بجلسة لطيفة مع أهل وجيران نهاوند وضلّينا قاعدين لبعد الغروب. وكأنّهم رجعوا مثل الأطفال من كتر حماسهم. صاروا يخبروني عن نهاوند وصوتها في الكنيسة وفي الأعياد والأعراس. فرجوني فيديو إلها بآخر أيامها بتغني فيه "يا فجر لما تطل". كانت لحالها، على كرسي بلاستيك بمأوى عجزة. التسجيل بكّانا.

حكولي كثير قصص وحواديث ومصايب وأنا معجوقة عم جرّب أتذكر من هون وأسمع من هون وآخد ملاحظات من هون، بس قصة وحدة أكثر من غيرها علقت ببالي: وهي قصة  لوريت كيروز على الكورنيش لما حاولت تنتحر.

كانت بدها تنط بوج صخرة الر  وشة ببيروت. شافها زلمة مارق عالكورنيش وركض صوبها ومسكها ليمنعها تنتحر.. ما بعرف إذا كانت مصمّمة على الانتحار فعلاً، ولا كانت بتستغيث بحدا لينقذها من موت ثاني..

ما منعرف شو صار بالضبط، المهم إنّه الزلمة روّقها وحكي معها، بعدين رجعها عالبيت بيحشوش وسلمها لأهلها. كان طلبه الوحيد لإلهم إنهم يخلوها تغني. هيدا طبعًا ما كان طلب سهل. لأنه نهاوند كانت بلشت تغني فعلًا وعشان هيك كانت تنزل عبيروت من الأساس. هي بالحقيقة بلّشت تغني، لما كان عمرها ١٤، وهي بعدها بالضيعة. كانت تهرب من المدرسة، وتنزل عبيروت بالزي المدرسي، لتوصل عالإذاعة اللبنانية. هونيك كان في مذيع اسمه غنطوس الرامي، بس سمعها قرر إنه هاي البنت لازم تطلع عالراديو. غيرولها اسمها طبعًا، حماية من أهلها، وسموها نهاوند لأنه المقام اللي كان صوتها بينسجم معه أكثر شي.

ولا مرّة انلقطت وهي نازلة عبيروت، بس أهلها كانوا يميزوا صوتها لما يسمعوه عالراديو، ويضربوها. كانوا يضربوها عشان يوقفوها عن الغناء. حجّتهم بالتعنيف إنّو كان بدهم مصلحتها. يمكن اللي كانت عم بتقوله نهاوند بمحاولة الانتحار هاي، انها مستعدة تضحي بحياتها لتغني، ويمكن هذا هو بالضبط اللي عملته، مثل ما رح نشوف. المهم. بعد هالقصة، وبعد ما آل كيروز انحطّوا تحت الأمر الواقع، وهو انه بنتهم لوريت بدها تغني. قرروا يمشوا مع الموضوع، ونقلوا من قريتهم، يحشوش، على بيروت. نهاوند كان عندها عم كفيف ساكن مع أهلها بالبيت. من وقتها ولبعد هيك صارت تنطره لياخدها عالإذاعة. كل يوم كان يوصلها لهونيك وبينطرها لتخلص. 

ببيروت زاد طموح نهاوند وتصميمها، خاصة بعد ما  تعرفت على جارهم الجديد عيسى النحاس. كانت شغلته يدبّر أزياء للمطربين بمسرح تياترو الكبير. أهم مسرح ببيروت بهيداك الوقت. في الثلاثينات والأربعينات عم نحكي. اشتغلت فيه نهاوند، قرقعت راسه، وما تركته لحد ما أقنعته ياخدها معه عالمسرح. وفعلًا أخدها مرّة، وغنت ميجانا قدام مجموعة من الملحنين والفنانين اللي كانوا يشتغلوا بتياترو. قرايبها بيقولوا إنّه الناس وقفولها من قد ما أعجبوا بصوت هاي الصبية الصغيرة.

بعدها إجاها عرضها الأول من الملحن يوسف صالح، وغنت معه أول أغنية خاصّة لإلها. أغنية يا عصفورة.

الأغنية، بلحنها البطيء الهادي نسبيًا، واللي كان مختلف عن قوة وسرعة الأغاني الجبلية وقتها، كانت كثير مناسبة للتحولات اللي كانت بتمر فيها الأغنية اللبنانية في أواخر الثلاثينات وبداية الأربعينات. في منتصف الثلاثينات كانت الألحان اللبنانية بتاخد شكل جديد. تطورت الموسيقى الفولكلورية اللبنانية بعد ما كانت محصورة بكلمات بأبناء الضيع الجبلية وخاصة الفلاحين اللي كانوا يغنوا بصوت قوي – مثل صوت نجوى كرم مثلًا – بعدين بلّشت تتغير هاي الألحان وتاخد قالب معاصر أكثر في بداية الأربعينات. الأغنية نجحت كثير، وبوقت قصير صار اسم نهاوند معروف في عالم الغنا.

نهاوند كانت من أسرة متواضعة ماديًا، وهالموضوع تأزّم ببيروت. ومثل العادة نهاوند بتلاقي تصريفة منها لحالها. راحت عمطعم طانيوس اللي كان معروف بأنه يجيب أحسن المطربين، وطلبت تغني. بس ما حدا عبرها. فشو عملت نهاوند؟ وقفت بنص المحل وبلّشت تغني لحالها. سمعها صاحب المطعم قام طلب من الصبي اللي عنده يروح يجيبلها فساتين مستعملة لتغني فيهم.

وبلشت تغني نهاوند بمطعم طانيوس. كان المفروض تكون الوصلة الافتتاحية لتدخل الجمهور بالجو قبل ما يبلشوا الفنانين الأكثر شهرة، بس بسرعة صارت هي الوصلة الأساسية – بناء على طلب الجمهور طبعًا. هالشي اللي عمل توتر بينها وبين باقي المطربين. انه منقدر نتخيل شعورهم وقتها: مين هالطفلة هاي اللي جاي من الضيعة لا بتعرف تلبس ولا تمشي ولا أصلاً طايلة المايكروفون، وجاي تاخد منا جمهورنا؟ مش قليلة عليهم! مثلاً مرة، نهاوند اللي ما كانت لبست كعب عالي من قبل، قررت ليوم "تستعير" سكربينة كعب عالي للمطربة المشهورة وقتها زكية حمدان. طبعًا كونها مش لابسة كعب عالي من قبل ولأن السكربينة كانت كبيرة عليها، مشيت فيها كم خطوة عالمسرح وانكسر الكعب. قام يصرخ فيها صاحب المطعم لحد ما سكتوه الحضور عشان يسمعوها.

إذا بنسمع تسجيلات نهاوند من هاي الفترة، بنقدر نشوف قوّة الموهبة اللي عندها ياها. خلينا ناخد مثلاً تسجيل يا فجر لما اتطل، الأغنية اللي أطلقت مسيرتها وخلت اسمها ينعرف جو وبرا لبنان. كتب الكلمات الشاعر اللبناني محمد علي فتوح ولحنها مصطفى كريدية اللي غناها هو نفسه قبل ما يعطيها لنهاوند. اشتهرت الأغنية بصوتها بمنتصف الأربعينات، وغناها من بعدها عدد كبير من الفنانين حتى صارت الناس تفكر إنه الأغنية من التراث السوري.

قبل ما تبدا الأغنية في موّال على مقام حجاز، وهون بتتلخص موهبة نهاوند لإنها قدرت بطبقات صوتها تجيب المقام على أصوله، ولما بتبدا الأغنية وبتنقل ع مقام البياتي بتاخدنا ع عالم تاني، وهالمقامات يمكن أكثر ناس أجادوها هم أهل العراق، لدرجة بس تسمعها بتحس حالك رح تسترجع قصيدة مظفر النواب: "مو حزن لكن حزين" لأن الحزن الي بصوتها واللي بتفرضه هالمقامات بخليك تحزن عنجد بدون سبب. هذا الصوت والموهبة الجارفة كانوا كبار على بيروت بهذاك الوقت، ولهيك قررت نهاوند تسافر.

جربت تطلق مسيرتها برا لبنان، وتنقلت بين تركيا ومصر وسوريا، حلب بالتحديد. بمصر ما قعدت كثير، عملت ثلاث أفلام، بس لقت المشهد مزدحم كثير والمنافسة شرسة، فتركت وراحت عحلب مع والدتها. بواحدة من المقابلات التلفزيونية، بتقول نهاوند إن مشوّارها الفني الحقيقي بدا هونيك، بحلب.

 تسجيل: “رحت عـدمشق مع إمي، بس ما قبلو يعطوني رخصة غني بسبب صغر سني، تبناني عفيف الطيبة، وطالب يعطوني رخصة، أخدتها ورحت ع حلب، وهونيك صرت مطربة.”

كمان بحلب تعذّبت كثير. المطربات اللبنانيات اللي كانوا هونيك شنّوا حملة عليها وقاطعوها، كانوا دايماً يكايدوا ليضمنوا انه نهاوند تكون النمرة الأولى الي بتطلع عالمسرح وتخلص بسرعة، وحتى إنو باقي الفنانات الي رفضت تذكر أساميهم كانوا يعاملوها باستعلاء. بعدين كل ما نجحت نهاوند أكثر زادت عداوتهم، لدرجة إنها كانت تلاقي فساتينها مخزّقة قبل الحفلات.

ومن حلب، راحت على بغداد.


بغداد كانت مرحلة كثير مهمة بحياتها، قالت نهاوند: "انبسطت كتير ببغداد، وبالإذاعة العراقية سجلت كتير أغاني وكانوا يحبوني.” وكأنها ما قلبت الدنيا ببغداد! وكأنه صوتها ما كان يدوي فيها من أقصى الشمال لأدنى الجنوب! هونيك تعرفت على الملحن رضا علي الذي ترك إرث فني لا يقدر بثمن من ألحان أغنت المنجز الموسيقي العراقي. كتبلها رضا علي ألحان طوال فترة إقامتها بالعراق، الشي اللي هو بمثابة علامة تأكيد على براعتها وتمكنها. رضا كان الملحن الرائد في مرحلة مهمة في تطور الغناء العراقي، وتميز بأنه ركز على البساطة والسلاسة في ألحانه، بس بطريقة اتطلبت من المطرب انه يكون متمكن. (تسجيل مثال). هالأغاني عملت نقلة نوعية في تجديد الأغاني العراقية، ودمج الحس الشعبي في لحن معقد.

أتقنت نهاوند المقامات العراقية، ونضج صوتها بسرعة مع رضا علي، حتى انه الناس صارت تعرفها على إنها مطربة عراقية. اللهجة العراقية كانت مناسبة لصوتها، وأضافتله شي من الغموض، اسمعوا هيدا التسجيل:

في أين يا ليل، أول أغنية غنتها نهاوند بالفصحى، بدت ملامح صوتها تصير أوضح. إذا غمضنا عيوننا وحاولنا نتخيل شكل صاحبة الصوت يمكن نتصور شي سيدة أربعينية مخضرمة عم تعتلي المسرح بثقة، وبتغني بقوة واقتدار. رافق القصيدة الكثير تأويلات حول من كتبها ولحنها، ونُسبت مثلاً إلى سيف الدين ولائي رغم أن سيف الدين اشتهر بكتابة أغان باللهجة العراقية البسيطة. البعض الآخر نسبها إلى الشاعر العراقي علي الشرقي الذي اقترب في أسلوبه من كلمات أين يا ليل، وتجلّى بوضوح في قصيدته شمعة العرس، بس ما في شي رسمي بيؤكد مرجعية كلماتها إلها.

تضاربت المعلومات حول هوية الملحن أيضاً، ورجحت بعض الروايات إنها من شغل الملحّن القدير منير بشير، وحتى في ناس قالوا إنها من ألحان نهاوند نفسها. استغربت هي الخبرية أنا، بس بعدين طلع إنه هالشي مش بعيد كثير عن المنطق، لأنه حسب صديق إلي عراقي إله معرفة وثيقة بالمقامات، الأغنية على مقام السيكاه، وبالتالي مش بالضرورة يكون فيه ملحن. كل ما احتاجته نهاوند هو انها تضبط المقام وتلاقي شعر بيناسبه. وإذا كانت نهاوند مش لاقية حوليها ألحان وحاصت بدها تغني، مش بعيد أبدًا من كل ما بنعرفه عنها انها تكون قررت تاخد زمام الأمور كمان مرة وتغني بلا ملحن. وبالفعل يبدو انه نهاوند نجحت بهالمحاولة، وأغوتنا على مقام بيتجنبه كثير مطربين. إذا قارنا صوتها بصوت يوسف عمر وهو من أكثر يللي أجادوا إخراج المقامات العراقية والتلوي في قالبها، رح نلاقي إنها لامست المقام بطريقتها الخاصة وزادت عليه من جمالها.

رغم كل هالنجاح كانت نهاوند وحيدة. بتحكي في مقابلة كيف إنها كانت قاعدة في بيتها في بغداد بجنب الراديو، بتسمع الإذاعة العراقية لما سمعت أغنية يبا يبا شلون. خلصت الأغنية وتفاجأت هي بصوت المذيع بقول: ”كانت معكم المطربة نهاوند”. نهاوند، قاعدة لحالها بالبيت، في بلد غريب ما بتعرف فيه حدا، ما كانت عارفة حتى إنه هذا صوتها اللي سمعته. بتقول إنها قعدت ترقص لوحدها في كل البيت من الفرحة.

ويمكن هذا السبب اللي خلاها اتضل تزور سوريا لما كانت في العراق، لحد ما تزوجت رجل سوري واصِل مَنَعها من السفر والغنا. بتقول “كان يمنع أغانيي من الإذاعة ويحرق صوري مع المشاهير، صهرو كان وزير داخلية بسوريا، كان بدهم يقوصوني، كسرلي مستقبلي وكسرلي حياتي“. اختفت نهاوند كل سنين هالزيجة حتى توفي زوجها ورجعت عبيروت.

لما سمعت نهاوند بأحدى المقابلات قاعدة قدام كاميرا وبتقول ” أنا الحُب والغرام هني الي ضيعولي مستقبلي“. ما فهمت، وحسيتها عبارة رومانسية من هدول اللي بيحكوهم المطربين أمثال هاني شاكر، بس لما نتطلع على مسيرتها بنلاقي انه الحكي مش مبالغ فيه. وقتها في المقابلة، التفتت لوريت بعد ما قالت هيك على محي الدين السباعي عازف القانون اللبناني، وقالت له:”بدي غنّي يا فجر لما تطل، كاملة“. 

فعلًا، هو الحب هو اللي دمرلها مسيرتها. رغم هيك، ما حرّمت الحب. في قصة مش متأكدين من صحّتها بتروي إنها ببيروت انغرمت بواحد من بعبلك وتزوجوا. هذا الرجال ما منعها من الغنا، بس عمل فيها فيلم ثاني. بتقول نهاوند انو كان شاب الو قيمتو وكان كتير كويس. الحقيقة إنو هالرجال خانها ولما إجت من قلبها الطيب توصف الخيانة عرفتها بـ:"تعرف على ست تانية وصار ظروف، قالي بدك تضلي معي، قلتلو لا، قالي بشدك ع بيت الطاعة ... فـسافرت حتى نسيتو". بترجع بتقول أنا ما بحقد عليه الله يسامحو. 

المهم انها صارت بدها تترك كل هالوجع وراها بأي طريقة.. في قصة بتقول انها دبّرت حفلة في ساو باولو مع فرقة، وسافروا كلهم مع بعض. وهاي قصة ثانية مليانة غموض. لسبب ما، الفرقة تركتها واختفت. هيك بنص البرازيل، ببلد ما بتعرف فيها حدا. هذا قبل أيام الإيميل والموبايل. الجماعة اختفوا وما لقيتهم. فقعدت عالرصيف. بتقول نهاوند انو الي صار مش عيب. تعذبت كتير، وبعد ما تهربت منا الفرقة وتركتها بدون ما توضح السبب، صارت تطلع ب ساو باولو تبكي بالطرقات لحد ما ضاعت. فوق هيك ما كان معها أجار الأوتيل ولا شي، لحد ما بيمرق رجل شكله سياسي حسب ما وصفته، بيشوفها عالرصيف وبيسألها شو بها. بعد ما خبرته القصة غمرها وقللها تعي معي، طلعت ع مكتبه واكتشفت انو هو محامي وطلب منها تخبروا شو عم تعمل بالبرازيل، بتقلو انها ما بتعرف حدا و لا بتعرف كلمة برتغالي وخبرته شو صار بالتفصيل. بعد ما سمع أعطاها مصاري ولما حاولت ترفض قالها بس تشتغلي بترديها، وبلّش يتصل عالتلفونات.  جاب ناس لعندو وقال لهم هالبنت هيك صار معها. دبرلها غرفة عند ست محترمة وحللها كل شي عالتلفون وقالها شو ما بدك واصلك. وبتقول انو اجا لعندو رجال كبير اسمو ابو خليل، قالوا خدها معك ع بيرناوا خلي العالم تشوفها. بيرناوا هو مطعم كبير بيتجمع فيه العرب بالبرازيل وبيجي مطربين بيغنوا فيه. بتطلع نهاوند بحالها وما كان عندها غير فستان واحد بتغسله وبتنطره لينشف، استأجرت فستان وراحت عالمطعم، وقدموها على إنها مطربة جديدة.

بتتذكر منيح انو غنت غنيتين وانو الي كان عم بيدق عود بالفرقة الي كانت عم تعزف من بيت عازار، وبتقول انو الغنيتين هني يادي النعيم والتانية عتابا. وبتوصف المشهد الي صار بعد ما سمعوا الناس غنائها وبتقول: "عربشو عالطاولات العالم، كتير بدعت، بس خلصت الحفلة، اجا حدا باسلي ايدي وحطلي مصاري بايدي، قلتلو لا انا ضيفة شرف، قالي لا أنت صرتي موظفة، انت شغالة من الليلة، مسكت المية الدولار ووقفت عالطاولة وصرت قلون انا اشتغلت أنا اشتغلت من فرحتي".

لما التقيت قرايبينها بيحشوش خبرتني قريبتها إنو في مرة قررت تروح لعند خالتها عالبرازيل، وهاي البنت كانت صوتها حلو، لما راحت لهونيك صارت تنزل بالحفلات معها ليغنوا سوا وشافت الناس قديش بحبوها، خبرتني انو خالتها بقيت شي 15 سنة بالبرازيل، وفجأة قررت ترجع بدون ما حدا يتأكّد ليش.

لمّا نهاوند رجعت على لبنان، كانت صارت ست كبيرة والكل نسيها. بالـ1996 طلعت بمقابلة على تلفزيون المستقبل وحكيت، بس بقيت في كثير تفاصيل مبهمة عن حياتها، يمكن لأنها نسيت تذكرها ويمكن لأنه فضلت تحتفظ فيها لنفسها. شاف المقابلة المنتج اللبناني ميشيل ألفتريادس وطلب منها تنضمّلّه. 

بمهرجانات جبيل سنة ٢٠٠١ اللي نظمها إلفتريادس، ظهرت نهاوند للمرة الأولى على خشبة مسرح جبيل، ويمكن عمرها شدّ الجمهور أكثر من صوتها. يعني كانت فرجة شوي. بعد المهرجان، طلب منها إلفتريادس تبدأ تحيي حفلات بملهى الميوزك هول، وهو من أشهر النوادي الليلية في بيروت، معظم المرتادين شباب أكبرهم يمكن بنص عمر نهاوند. لو كنت حاضرة هيديك الليلة كنت عالأغلب رح خاف عليها بهيك أجواء. 

بعد فترة لقيت فيديو لحفلة نهاوند بالميوزك هول. بتطلع نهاوند عالمسرح، بتمشي شوي شوي، لابسة فستان خفيف، وشعرها مسرّح على الجنب. بتوصل للميكروفون والجميع بعيّطوا وبصرخوا وبصفروا. بتلمس نهاوند المايكرفون بأصابعها وبتقرّب منه. بتبدأ فرقة شبابية بالعزف. لما غنت الكل سكت. بعد ما راحت صدمة الجمهور بلشوا يتراقصوا شوي شوي، لحد ما شدت نهاوند بالغناء وشعللت الجو وكأنها مغنية بوب. غنت شي نصف ساعة أو أربعين دقيقة تقريباً. بهبديك الحفلة غنّت سكبتلك دمعي بالكاس، لكل من خانوها وتركوها ترحل، وكأنها عم تغنيها للبنان، وللغربة، وللي حبتهم وخانوها وخانوا موهبتها. انتقلت بعديها لأغنيتها الشهيرة يا فجر لما تطل، وسط هتافات جمهور ما توقع كل هيدا من إمرأة ثمانينية. رفضت تترك المسرح إلا بعد لما أجا المرافق تياخدها عالكواليس، بعدين فلتت منه وركضت مرة ثانية للمايكروفون، وبلشت غناء من جديد.

خبّروني الأهل والجيران إنّو نهاوند تشخّصت بالألزهايمر وتعبت كتير بعدين وقضّت آخر إيامها بدار العجزة. توفت نهاوند من أربع سنين تقريبا، بعد ما كرّست حياتها كلها عم تغني، وتمنَع من الغناء، وتغني بالغصب. يا إما بالسرقة، يا إما بالتهديد، يا إمّا بالحيلة. المهم إنها كانت تغني. 

****

بعد هالمشوار الطويل من البحث اللي بلّش من الإنترنت ليحشوش، لكلّ أرشيف المحطّات المشتّت لنهاوند، وكل القصص اللي سمعتها وقلنالكم اياها بهالبودكاست تأكّدت إنّه نهاوند كانت بتستاهل تكون نجمة كبيرة الكلّ بيقدّر فنّها وبتستاهل جيلنا يضلّ يذكرها. 

****

قصة هالحلقة كتبتها نور عز الدين من معازف، وحررتها صابرين طه، ومنتجها تيسير قباني من صوت، وقدّمتلكم ياها أنا رنا داود.

اشتركوا بقناة دم تك على أي وسيلة بودكاست بتفضّلوها. تابعوا بودكاست "دم تك" بالحلقة الجاي لتتعرّفوا على سيرة فنانة عربية ثانية بتستحقّ نحتفي فيها. 

رصيد الأغاني بترتيب ظهورها:
Infinite Ambient Mix
رحلتي حول العالم العربي، أحمد آل شيبة
Instrumental Music, Samai Nahawand
Aytaç Doğan, Dil Yarası
تقسيم بيات موزون، إبراهيم سلمان 
أغنية البودكاست: لما بدا يتثنى، شيرين أبو خضر، دوزان
نهاوند أسموني، نهاوند
ميجنه وعتابة لبنانية، نهاوند
No man no cry, Jimmy Sax
يا هو، نجوى كرم
إنت حبيبي، بسيكو
سكبتلك دمعي بالكاس، لوريت كيروز (نهاوند) والأخوين شحادة
فيديو نهاوند تغني، حساب معازف على إنستغرام
تعال الورد بينادي والكل عليه، نهاوند
أنا العصفورة، نهاوند
يا فجر لما تطل  نهاوند
اين ياليل صباباتي واحلامي وكأسي، نهاونـد
Improvisation on Nahawand Maqam, Salah Amo and Peter Gabis
Beautiful Village, David Fesliyan
Taksim Trio, Gözüm  Kulağım
أنا والليل مع مقدمة، نهاوند
الروزنا، صباح فخري
أنساك، نهاوند