الحلقة الثانية

الحلقة الثانية

Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

نص الحلقة

الحلقة الثانية

كيف نعيد إنتاج كون كونا فيه انسان هزمناه روحيا؟ جوفناه عقليا؟ جوفناه انسانيا؟ 

" كلما هُزم الإنسان العادي وتم إخراجه من العملية السياسية، وعدم تكوينه كفاعل تاريخي قادر على اتخاذ القرارات من أجل تغيير الأسس اللي بتعيد إنتاج حياته، بنلاقي انه الامور رح تسوء من أسوأ لأسوأ".

وخدمة القرض وإنتاج الديون الدولة هو عامل إيجابي طالما كان عامل اجتماعي وانتاجي ليس عامل خاص كما عندنا في الدول العربية لأنه هنا الدولة تقترض لطبقة تحكم. 

بمجرد ما تفتح سوق التجارة وسوق النقد وانت صناعاتك ضعيفة مقارنة بغيرها يُقضى علينا وهذا ما جرى بطبيعة الحال.

أهلا بكم إلى الجزء الثاني من هذا البودكاست مع المفكر الاقتصادي على القادري

نسلط الضوء في هذا الجزء على جذور أزمة التنمية في دولنا العربية ودول العالم الثالث عموما، وهي الأزمة التي لا تزال تشهد تفاقما مضطردا منذ بدأ التحول والانسياق الى عصر ما يسمى الليبرالية والانفتاح في ثمانينيات القرن الماضي، والذي دخلت التنمية خلاله نفق التبعية لاقتصادات ومصالح الرأسمالية الغربية.

كما نحاول التعرف على العوامل التي دفعت تلك الدول، وخصوصا التي كانت تتبنى نهج الاشتراكية العربية، إلى التخلي عن هذا النهج، رغم أنها تمكنت خلاله من اعادة بناء اقتصاداتها وتحقيق نمو يفوق ما هو موجود حاليا، كما تؤكد المقارنات والأرقام المجردة.

كثير من المفكرين، ومن بينهم القادري يرون أن الاقتصادات العربية التي انتهجت الاشتراكية وكانت صاعدة ونامية في فترة ما بعد الاستقلال، لم تلبث أن تعرضت إلى انتكاسة هائلة مع تبنيها النهج الليبرالي في الثمانينيات. فما هو تفسير ذلك؟. وأين أخطأنا وأين أصبنا؟

قبل أن أبدأ في البحث، اتصلت في صديق مخضرم وسألته، أنا أتصور انه عندما ننظر إلى الارقام سنجد أن تلك المرحلة كباقي العالم، ولسنا نحن استثناء لأنه كل السياسات التي كانت مطبقة في ظل الفترة ما بعد الاستقلال في كل الدول العربية كانت تتشابه كما في باقي العالم. ف لما قامت اتفاقية بريتونوودز قامت على أساس رئيسي ألا وهو أسعار الصرف الثابتة مع انضباط تحويلات رأس المال إلى الخارج، يعني مع حساب رأس المال مقيد كان.

فيما بعد في الثمانينات انقبلت الاية، ثُبتت كل العملات تقريبًا بالدولار وفتح حساب رأس المال فانتهت العلاقة الايجابية الاستطرادية بين العملية السياسة النقدية والسياسة الضرائبية في المجتمعات ككل وانهارت معدلات الإنتاج ومعدلات النمو، ليست معدلات الإنتاج، بل معدلات النمو لأن معدلات الإنتاج تزداد دومًا والثراء يزداد دومًا في ظل الرأسمالية لأسباب عديدة.

فنحن لا نقول أن الرأسمالية لا نتنج ثراء، هي تنتج ثراء لكن غالبه سمًا فهذا ما لا يقال. ما يقال هو السم البيئي السم الإنساني، سم الحروب. هذا لا يقاس، لا يعطونه سعرًا لانهم قادرين من خلال تحكمهم بالزمان والمكان أن يخفوا سعره، أن يكونوا ذو قيمة إنما ليس ذو سعر. يعني كالعبد، كالعبودية، العبد يعطي قيمة وينتج لكن لا يعطى أجر. والطبيعة والإنسان الميت في الحرب كالعبد، يعطي قيمة ولا ينتج أي شيء.

قد يكون مفاجئاً للبعض أنه من حيث المعطيات الرقمية والإحصائية، كان أداء الاقتصاد الكلي في مرحلة الاشتراكية العربية أفضل بكثير مما هو عليه خلال مرحلة الليبرالية، وخصوصاً على صعيد مؤشرات النمو والتنمية، رغم إنها مرحلة شهدت حروباً وصراعات وتحديات يفترض بها استنزاف طاقة الدول العربية الناشئة في حينه..

هذا شيء بديهي! إنه نحنا كباقي العالم، يعني يُدعى في العصر الذهبي هو عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية في التطور الاقتصادي لسنة 1980 وبداية الليبرالية، كانت معظم السياسات مبنية على تقييد تحرك رأس المال مع أسعار صرف ثابتة وعدة أسعار صرف في بعض الأمكنة، وهذا ما كنا نفعله، كباقي العالم لسنا.... الهند كانت، الهند لازالت الى حد ما تنضبط بهذه.....

يعني دول كبيرة ضلت هيك. فعندما نظرت إلى المعطيات وجدت طبعا انه معدلات النمو، أعلى معدلات الاستثمار، أعلى معدلات الإنتاجية بوحدة الاستثمار، أعلى معدلات الديون، أقل معدلات خدمة الديون رغم حالة الحرب التي كنا نعيشها. يعني كنا دائمًا في حالة نزاع مع الكيان.

نحن كنا في حالة حرب إنما كذلك كنا في حالة نمو، يعني كان هنا تجاوز فاضل بين المقاومة والتنمية رغم ضريبة الحرب كانت قاسية طبعا على مجتمعاتنا، نحن خرجنا منهكين من الاستعمار والاستعمار هو أقسى درجات الاستعباد لأنه استعباد جماعي، من خلال سلطة الدولة انت تقدر ان تأخذ كل ما لدى الشعوب.

صحيح أن المستعمر خرج بجنوده وعتاده من عالمنا العربي، باستثناء فلسطين، وأنه استولى خلال فترة وجوده على كم كبير من ثرواتنا، لكن قيمتها تبدو ضئيلة قياسا بالخسائر التي لا نزال نتكبدها جراء الإرث الذي تركه، والمتمثل في التخلف الهيكلي والثقافي والإنتاجي والتقني، وكل ما من شأنه جعل التنمية أمرا يتطلب سنوات ضوئية للتحقق.

ذاك اليوم ،الصديقة العزيزة اوتشاباتنايك قدرت وانا قلت لها ان هذا تقدير غير صحيح، قليل جدًا أنه بريطانيا أخذت من الهند من خلال استعمارها في 200 سنة او 140 سنة ما يقارب 43 تريليون دولار. ف هذا رقم ضئيل جدًا ، لانه ما تعاني منه اليوم هو ذلك الارث الاستعماري الذي دخل ودمر كل صناعات الهند من اجل تفضيل الصناعة الغربية الانجليزية وصناعة القطن الانجليزي على الهندي ومع عمليات التجفيف ونقل العمال في الحرب.

الهنود هم اللي قاتلوا في الحروب العالمية الاولى والثانية.. كان في مليون جندي هندي عم يقاتلوا مع اكثر من مليون عم يقاتلوا مع بريطانيا في الحرب العالمية الاولى. فيعني عملية الاستغلال ..... هي عملية نكب لمجتمعاتنا وفي معظم الاحيان فيها إفراغ سكاني مطلق. لما الواحد، بما انه نحنا نعاني من ازمات زيادة انتاج، يعني نحن كجزء صغير من الكون يعني عشر او 20% من الكون يدخلون في عملية انتاجية، لديهم الدخل لكي يكوّنوا كتلة ثراء مادية ونقدية.

أما باقي ما تبقى فهو فائض، وفائض يجب ان يحظر من النمو لانه حتى لا يضارب على هذه السوق المتخمة بزيادة الانتاج، لانه احنا عنا تقنيات عالية ونقدر ان ننتج اكثر بكثير مما. ودائماً هذا موجود، هذا بالمطلق في اي وقت من الاوقات 70 او 60 % من المعامل تشتغل اما باقي المعامل لا تشتغل.

وطبعا البشر حدث ولا حرج عن البطالات وجيش البطالة الموجود هنا وهناك ، الذي يقدر في بعض الاحيان اذا اختزلنا العملية الانتاجية الى العمليات الانتاجية الخاصة لحوالي 3 مليار شخص تقريبًا، وهو رقم خيالي جدًا ، لانه اذا قدرنا الانتاجية كإنتاجية نقدية مسعرة بالدولار معناته اختزلنا البشرية كلها.

يقوم مفهوم الإنتاج في الراسمالية على مبدأ خلق السلع والخدمات لأجل الربح ومراكمة الثروة للاشخاص، لكن في تصور القادري ان الانتاج الذي يخدم عملية التنمية المنشودة هو الذي يقوم على الانتاجية الاجتماعية التي تعيد انتاج الانسان، كما كانت الحال خلال مرحلة الاشتراكية العربية.. 

الانتاجية الحقيقية، يجب القول هنا انه الانتاجية الحقيقية هي الانتاجية الاجتماعية، في دورة اجتماعية. وليست الاجتماعية الخاصة. يعني الطبابة العناية بالكبير وبالشيخ، هذه هي الانتاجية الحقيقية لانها هي ما يعيد انتاج الانسان وليس ما يعيد انتاج الارباح لشخص ما.

لأننا ضعيفي السلطة كفئات شعبية وجماهير وشعوب عالم ثالثية لا نقدر أن نفرض الميزة القيمية لتقييم الانتاجية التي نريد. التي تعني أن العمل الانتاجي الرئيسي هو عمل الرعاية بالاطفال، عمل الرعاية بصحة الانسان، ببيئة الانسان، بنفسية الانسان. هذا هو ما نريد، يجب تفريغ نصف القوى العاملة ليس فقط للانتاج والارض والمصانع وانما الانتاج بصحة الانسان وبنفسية الانسان والى ما هنالك.

فننطلق من هنا أنه كانت واضحة جدًا للاذهان عملية التفاوض في .... وخصوصًا في عملية انتاج العمل وانتاج الوظائف في ذلك الوقت، يعني كان عنا بيقولولك العامل السكاني، نحن لا نرى العامل السكاني بالمطلق في العملية الحسابية الكلية للاقتصاد الكلي الذي يختلف كلياً عن الاقتصاد الفردي.

الاقتصاد الفردي مثلا اذا اخذنا الفرد، الفرد اذا اقترض من البنك، البنك بيقولوا قديش رح تعيش بعد 50 سنة ادفعلي من هلق ل 50 سنة. بينما اذا الدولة اقترضت، يختلف كليًا هذا، الدولة لا تموت. والدولة لا يجب ان تعيد القرض كل ما هنالك ان تخدم القرض.

وخدمة القرض وانتاج الديون الدولة هو عامل ايجابي طالما كان عامل اجتماعي وانتاجي ليس عامل خاص كما عندنا في الدول العربية لانه هنا الدولة تقترض لطبقة تحكم. فهي تقترض للبنوك وتخدم الفوائد العالية مصلحة البنوك فهي ريعية، عالية الريعية وبنفس الوقت تفرض على الشعب نوع من الكبت ونوع من .....

رغم الإرث الثقيل الذي تركه المستعمر، تمكنت الدول العربية التي تبنت الاشتراكية بعد الاستقلال، من أن تنهض باقتصاداتها وتخلق تنمية حقيقية باتباعها سياسات تحد من تسريب الموارد المادية والبشرية للخارج، لصالح تدوير ناتجهما وتوظيفه ضمن الاقتصاد الوطني.. وهي المعادلة التي انهارت في مرحلة الانفتاح الليبرالية..

هلق ليش؟ خلينا نركز على نقطة مهمة ألا وهي لماذا كانت تلك المرحلة أجدى من هذه المرحلة؟ العامل الاول هو تسريب رؤوس الاموال للخارج، تسريب الموارد الحقيقية للخارج، تسريب الانسان للخارج. مش بس الانسان هجرة العقول، ليس هناك هجرة عقول بدون هجرة فقير الى حد ما او هجرة انسان مناضل، كلمة فقير كلمة اعتذر عنها إنما فقر مادي وليس فقر روحي.

فعملية الافراغ السكاني عملية ضرورية في ظل الرأسمالية. يعني هي عملية الانتاج وشكل الانتاج كما قلت ليس انتاج المعمل المكنة وليست الدورة الاقتصادية الدورة الكرونولوجية التي يحددها رأس المال، هذا تبسيط! وله العملية الانتاجية تبدأ في الكونغو وتنتهي في العراق وتدور في لندن من خلال حرمان هذه الشعوب واعادة انتاج بعض السلع، ثم قصف العراق من اجل اعادة توضيب الوضع الدولي منشان يرجعوا ياخدوا من الكونغو فلوس ومن الصين فلوس.

الواقع ليس سهل! يعني لو الواقع يستسهل بمفاهيم تحليلية تقول هذا هذا وذاك ذاك وهذا داخل وخارج، ما هذا التهبيل؟ فيجب العودة الى الحلقة الرئيسية في عملية التنمية وانا ارد هذا الى تسريب الموارد وبالذات تسويره بالموارد النقدية الى الخارج لأنه الموارد النقدية ثراءنا مُرّمز بالنقد.

يعني نقول نحن عنا دخل قومي اجمالي كذا كذا، وترميزه في النقد. فهو تسريب للثراء الذي يمكن كان ان يعاد استدخاله واستنتاجه في الداخل، واعادة انتاجه في الداخل في دورة اقتصادية تُنشط هذا. لكنه بمجرد ما تفتح سوق التجارة وسوق النقد وانت صناعاتك ضعيفة مقارنة بغيرها يُقضى علينا وهذا ما جرى بطبيعة الحال.

الى هنا نكون وصلنا الى ختام هذا الجزء من البودكاست مع المفكر الاقتصادي علي القادري، على امل اللقاء بكم في الجزء التالي، والذي سيتناول الحديث مرحلة بروز الثنائية القطبية عقب الحرب الكونية الثانية ممثلة بالرأسمالية الغربية بزعامة الولايات المتحدة من جهة، والاشتراكية التي حمل لواءها الاتحاد السوفييتي من جهة ثانية. 

كما سيتطرق الى أثر تلك المرحلة على تركيبة وأوضاع اقتصادات عالمنا العربي ودول العالم الثالث عموما، وما تلاها لاحقا عندما تفرد الغربي بالهيمنة على العالم عقب انهيار الاتحاد السوفييتي، ثم ظهور الصين اخيرا كقوة اقتصادية جبارة بدأت في خلخلة موازين القوى الراهنة..وبما قد يتيح نافذة لتغير هذه الموازين يصب في صالح الشعوب التي ارهقتها التبعية للغرب الراسمالي وبما افقدها القدرة على اعادة بناء مستقبلها وفقا لاسس سيادية.

طبتم اوقاتا، والى ذلك الحين،