الحلقة الأولى

الحلقة الأولى

Hosted on Acast. See acast.com/privacy for more information.

نص الحلقة

الحلقة الأولى

كيف نعيد إنتاج كون كونّا فيه إنسان هزمناه روحيًا؟ جوفناه عقليًا؟ جوفناه إنسانيًا؟ 

" كلما هُزِم الإنسان العادي وتم إخراجه من العملية السياسية، وعدم تكوينه كفاعل تاريخي قادر على اتخاذ القرارات من أجل تغيير الأسس اللي بتعيد إنتاج حياته، بنلاقي إنه الأمور رح تسوء من أسوأ لأسوأ".

وخدمة القرض وإنتاج الديون الدولة هو عامل إيجابي طالما كان عامل اجتماعي وإنتاجي ليس عامل خاص كما عندنا في الدول العربية لأنه هنا الدولة تقترض لطبقة تحكم. 

لكن بمجرد ما تفتح سوق التجارة وسوق النقد وأنت صناعاتك ضعيفة مقارنة بغيرها يُقضى علينا وهذا ما جرى

هذا البودكاست وهو عبارة عن حوار مع المفكر الاقتصادي علي القادري، الباحث الرئيسي بجامعة سنغافورة الوطنية والباحث الزائر بقسم التنمية الدولية بمدرسة لندن للاقتصاد، والمتخصص في قضايا التنمية في الشرق الأوسط والعالم الثالث.

حظيت اشكالية التنمية في العالم العربي باهتمام كبير على مدار العقود الاخيرة، وقد اختلف المفكرون العرب في تشخيص الازمة.

فنجد بعضهم يتحدث عن أزمة حوكمة أو يضع اللائمة على حالة غياب الديمقراطية أو ضعف المؤسسات، وكثيرون منهم يردون المعوقات الى اسباب متعلقة بالموروث الديني والتخلف الثقافي، الخ..

ورغم ان هذه النظريات تتباين بشكل كبير الا ان العامل المشترك بين معظمها على الاقل هو انها تعزز عقدة النقص وما يمارسه المثقفون العرب من جلد الذات.

من هناـ تأتي اهمية اطروحات المفكر على القادري، الباحث الرئيسي بجامعة سنغافورة الوطنية والباحث الزائر بقسم التنمية الدولية بمدرسة لندن للاقتصاد، والمتخصص في قضايا التنمية في الشرق الأوسط والعالم الثالث.

القادري قام من خلال اصاداراته العديدة بنقد هذه النظريات وتقديم رؤية مختلفة شاملة معززة بالارقام تسلط الضوء على العامل الخارجي وتربط بين الهزائم العسكرية المتتالية مع الاستسلام والارتهان للقوى الاقتصادية المهيمنة على العالم.

وهو يحاجج في اطروحاته بأن افقار العالم العربي ليس مجرد ضرر جانبي، بل هو في صلب عملية التراكم الثرائي في الغرب، ويشكل احد أوجه تفاعلات وارتدادات هذا التراكم.

وفي كتاباته، ينوه المفكر القادري الى ان العالم العربي شهد تنمية حقيقية في فترة الخمسينات والستينيات، والتي ارتبطت بحركات التحرر وجلاء المستعمر، لكنه شهد في العقود الاخيرة عملية "عكس التنمية". وقد استند في اثبات ذلك على ارقام توضح حجم الاستثمار في التصنيع وحصة الرواتب في الدخل الاجمالي، وغيرها.

فكيف يُشخص القادري حالة ومعوقات التنمية في العالم العربي؟.. وقبل ذلك، دعونا نقف على رؤيته للتنمية من حيث المفهوم؟

حالة بتعيشها الناس، وهي تحسن مضطرد في مستويات المعيشة، وتغيير مؤسساتي مرافق لهذا التحسن في مستويات المعيشة وكذلك تدرج في عملية الرقي التكنولوجي في المجتمع، مع نوع من مأسسة الفئات العاملة، الشعب بشكل عام، في السلطة وفي اتخاذ القرارات المصيرية في السلطة لأنه في الأخير التنمية هي نتاج لعملية صراع اجتماعي.

كلما هُزم الإنسان العادي وتم إخراجه من العملية السياسية، وعدم تكوينه كفاعل تاريخي قادر على اتخاذ القرارات من أجل تغيير الأسس اللي بتعيد إنتاج حياته، بنلاقي إنه الأمور رح تسوء من أسوأ لأسوأ. وكلما تم دمج الفئات العاملة أو كامل قوى الشعب في عملية اتخاذ القرارات وفي السلطة السياسية المكونة في الدولة كلما تحسن الوضع.

مفهوم، او وصفة التنمية اذا جاز التعبير، وكما هو واضح هنا، بسيطة وميسرة ونجحت في تطبيقها كثير من الشعوب ولو بشكل متفاوت. شعوب منطقتنا، فشلت، ولاسباب بعضها نابع من موقع منطقتنا الاستراتيجي وثروتها النفطية. وللتحكم بهذه الثروة، حرص الغرب على تقويض العوامل التي يمكن ان تقود الى انجاز تنمية حقيقية لدينا، ومن أهمها الانسان، او العامل البشري، حتى يضمن تبعيتنا واتساقنا المستمرين مع مصالحه.

ف إحنا منطقة استراتيجية جدًا والتحكم بالمنطقة هو مصدر قوة للمتحكم، طبعًا المتحكم هو الولايات المتحدة الأمريكية والمنظومة الغربية. ف ارتباط المنطقة في الخارج بالشكل هذا لأنه يجب أن تتحكم فينا الإمبريالية إلى حد كبير لتستمد سلطتها اللي من خلالها تعيد إنتاج دورتها الاقتصادية الرأسمالية.

ف هما بيركزوا على منطقتنا وبيركزوا على امتصاص الإنسان أو حثه أو تجريده أو تهبيله بصورة أوضح. إنت بدك شغلتين، شيئين، الغاية الأولى للإمبريالية إما تسخيف أو تهبيل او إما حذفه كليًا من الوجود بشكل أو بآخر، يعني في عملية إفراغ سكاني بقتله أو دماره أو بقتل أسس إعادة إنتاجه بحيث لا يعيش متوسط حياة مرافق لذلك المتوسط المحدد تاريخيًا.

يعني ممكن الإنسان لازم يعيش في الظروف هادي 90 سنة إحنا في اليمن بنقضي عليه بالأربعين و45 متوسط الحياة. ف هذا نوع من الإفراغ السكاني وهو نوع من القتل بس قتل بطريقة غير منظورة، ليس بالقنابل إنما قتل بفرض ظرف اجتماعي يُفضي إلى هذه الحالة.

في مصر مثلاً، مصر دولة غنية جدًا وعندها تاريخ وإرث حضاري لكن متوسط الحياة متدني جدًا وهذه عملية إفراغ سكاني بالتهجير وخفض مستوى.... وطبعًا سوء تغذية عند الأطفال والتجويف الثقافي، يعني إفراغها من أي ثقافة عضوية تحاكي أو تقارب مشاعر أو متطلبات الناس بشكل حقيقي.

على مدى العقود الأخيرة، تبنت الاقتصادات العربية أيديولوجيتين متناقضتين ومتصارعتين خلال سعيها لتحقيق التنمية: أولاهما الاشتراكية التي تبعتها كثير من دول المنطقة، ممثلة في الاتحاد السوفييتي، وقد انهارت وانتهت، ثم الآن الرأسمالية التي اكتشفنا أنها لم تكن المنقذ، بل استعبدتنا ثم أدخلتنا في أتون الاستنزاف عبر ثنائية النفط والحرب.

وعنا إحنا في الوطن العربي يجب القول إنه عندنا المشكلة هي إنه كما كل العالم هي الأزمة الأيديولوجية التي نعيشها نحن ليست بمعزل عن الأزمة الأيديولوجية التي تبادلت للوجود سقوط الاتحاد السوفييتي. الاتحاد السوفييتي والفكر الشيوعي كان تجسيدًا للفلسفة الإنسانية التي بدأت مع غاليلو وغاليلي والمفكرين التنويريين وما إلى ذلك.

وتجسدت في هذا الفكر الإنساني الذي يجب أن يخلّص الإنسانية من مأساتها ولكنه بسبب هزيمته بظروف داخلية وخارجية لكنها لا تُفرق داخليًا او خارجيًا لأن التحليل في التاريخ غير ناجح ولا يمكن وضع هذا التحليل الشكلي الهندسي عن الداخل والخارج، أساسًا هذا منطقيًا غير صحيح.

كذلك السقوط في الأيديولوجية الإنسانية التي تؤنس الإنسان وتضع الإنسان في صلب عملية التنمية وتضع الهدف للحياة الاجتماعية هي الرقي في حياة الإنسان. سقطت في أي مكان. لكن بما أننا مصدر رئيسي للتحكم ولسلطة رأس المال الدولي في إعادة إنتاج ذاته لأننا نحن مرتبطون بالاقتصاد الدولي بعاملين مهمين أو بمدخولين مهمين جدًا لعملية دولرة ودورة الاقتصاد العالمي، ألا وهما النفط والحرب.

ويمكن النظر للحرب كذلك أنها سائل، يعني النفط نحن نعلم أنه النفط مثلا يوضع في خزانات وهناك أنبوب وممكن أن نفتح الانبوب لدرجة 1 أو درجة 10 لتكثيف الضغط أو تقليله ونبيعه بثمن أو بآخر، وكذلك يمكن النظر للحرب أنها سائل ولها أنبوب وإذا ضخت بشكل أكبر إنما يُضخ من السيولة والنقد لإعادة إنتاج عملية الحرب بسندات الخزينة الأمريكية ما هو أكبر ربحية من عملية ضخ النفط. وهما طبعًا مترابطان إذا نظرنا للتوضيح!

التنمية محورها وهدفها الإنسان ورفاهه وتقدمه. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل الرأسمالية التي باتت تتبناها معظم شعوبنا العربية هي الخيار الصحيح لإيصالها إلى تلك الغاية وبما يُعلي من قيمة الإنسان؟ وإلا فما البديل؟ هي دوامة ومتاهة لا تزال العقول حائرة في المخرج منها..

فنحن نواجه مشكلة أصعب من غيرنا إلى حد ما ومسألة التدريج أو التدرج أو دراسة درجات التغيير هو العلم. العلم ليس المطلق إذا أردنا أن نقول هذا صح أو هذا خطأ، هذا دور كاهن أو عالم دين، نحن لسنا بعلماء دين، نحن علماء دورة اقتصادية ودورة اجتماعية ونريد أن نرى بآخر الامر كم هو متوفر للإنسان كي يعيد إنتاج روحه وحياته وعيلته وكذا بشكل أحسن من حال لحال ويكون له عمل ناجح وقيمة ما.

فالقيمة هنا ليست قيمة بالمعنى الإتيقي أو الأخلاقي للقيمة. القيمة هي كل ما هو سلع أو خدمات يستهلكها الإنسان من أجل إعادة تحسين ظروفه المعيشية، فالقيمة في الاقتصاد السياسي ليست هذا ذو قيمة أو ذاك ذو قيمة بالمعنى الأخلاقي كما هو منوط بهذا التعبير في اللغات، في كامل اللغات.

حتى في اللغة الإنجليزية نقول value of a value تعني الحكم، يعني هذا سيء أو هذا حسن. ف يجب الابتعاد عن هذا التصور في العلم، لسنا نحن هنا في أول الأمر. طبعًا البعد الاخلاقي دائمًا موجود لكن استدراك البعد الأخلاقي هو عملية منذ الفيلسوف إيمانويل كانط لما كتب عن نقد الفكر التجريبي أو نقد الفكر العملي يعني اللاأخلاقي هي عملية عقلانية كذلك وليس عملية منزلة، يجب دراستها كعملية منزلة.

في واقعها، جاءت الرأسمالية كنتاج لدورات تاريخية واجتماعية وليس ابتكاراً من أحد المفكرين، وهي في حقيقتها المجردة لا تهدف إلى خدمة الفرد والمجتمعات والبيئة الإنسانية والطبيعية، بل إلى تعظيم الربحية والثروة التي يتحكم بها قلة لا تتجاوز نسبتهم 5 بالمئة من تعداد العالم، وبصرف النظر عن أية اعتبارات أخرى.. وهذا واقع لا يخفى على أحد..

نحن نعلم أن نحن في طور مرحلة تاريخية بدأت منذ القرن السادس عشر الطويل واستمرت إلى الان وهي علاقة منوطة او مقررة بمدى ربحية العمليات التجارية والصناعية وهذه الربحية ليست ذي طابع اجتماعي إنما طابع خاص وهي تفرض على المجتمع إدارة شؤونه بشكل يتماشى مع هذه الربحية وهذه الربحية خاصة وليست عامة.

لذلك منذ القرن الخامس عشر الطويل العملية الاخلاقية كل ما هو خلقي بات عدمًا أو بات غير موجود. يعني ليس هناك أخلاق في الرأسمالية. عندما يتكلم الإنسان عن فساد في مركب مثل هذا المركب الطبقي والمصمم والمشيء والمنقد من نقد يعني مستحيل وجوده إلا في نقيده، يعني نقيد الرأسمالية هو العملية الخلقية أو العملية الإيتيقية.

وكذلك من الناحية الجمالية، يعني كل ما هو رأسمالي مكون ولو كان جميلاً في الظاهر من مبنى أو ما إلى هنالك أو طائرة أو سيارة فهو يحتوي من الناحية الجمالية على حروب القضم واستعمال الأطفال في العمالة. ف من الناحية الجمالية الفئة التي تطغى على رسم أو على تصور الرأسمالية هي القباحة.

يعني كل ما هو موجود قبيح وكل ما هو موجود غير خلقي ضرورة إلا إذا نحن نظرنا من أجل قلب هذه سلطة العلاقة التجريدية الحقيقية التي نسميها رأس المال في مرحلة تاريخية، طبعًا يجب التمرحل في التاريخ ألا وهي الرأسمالية. وهي تختلف جذريًا عما قبلها لأنها هي طور اجتماعي سُلع كل شيء ونُقّد كل شيء وأصبح التسليع والنقد هو الذي يحدد عملية إعادة المجتمعات لمصالح خاصة أكثر ما هي عامة.

توحش الرأسمالية وإفراطها في الإنتاج من أجل تعظيم الأرباح وليس لضرورات المنفعة السلعية، يؤدي كما نرى اليوم إلى استنزاف وهدر متسارع للموارد الطبيعية والبشرية، وهذا في حد ذاته وصفة مدمرة للاقتصاد والبيئة وبنية المجتمعات.. وربما الفناء

بالطبيعي كل ما اضطر الخاص إلى النمو والتكاثر يضطر إلى قضم العام. وهذه الترابط الخاص بالعام بالشكل هذا وليس بالمفهوم الفلسفي إما مصالح أو عامة. يعني المسألة أيضية، كما هي مسألة استهلاك العام بالخاص هي كذلك مسالة إعادة إنتاج الدورة الحياتية هي مسألة أيضية كما نحن نأكل ونحرق سعرات حرارية كذلك نأكل لإعادة إنتاج المجتمع. نحن نأكل ونعيد إنتاج أنفسنا بعملية أيضية.

واذا كانت عملية اعادة الانتاج الايضية هذه عملية تآكلية الى حد أقصى ف نحن في ازمة حقيقية يعني ازمة وجودية وهذه الازمة هي مدخل لاعادة انتاج وعي جديد وطرق تصور جديدة وفي منتهى الامر، بما انه عملية التناقض الرئيسية هي عملية ما بين الخاص والعام، ف بكل الاحوال يجب تهذيب الخاص يعني يجب ربطه او يجب التحكم بحركته لأنه الخاص هو المصلحة الخاصة عندما والقوة والسلطة من خلال الدول والمنظومات وال... التي تتحكم بمجرى التاريخ بشكل او بآخر.

منظومة الراسمالية الغربية، وكما تحاول اقناعنا، تنبهت الى الاضرار التي ينطوي عليها تطبيق مفهومها الاقتصادي، كالصراعات على الموارد واستنزافها بلا انضباط، فعملت على خلق ادوات للحد من تلك الاضرار، كصندوق النقد والبنك الدوليين وغيرهما.. لكن يبدو أن كل هذا لم يُفلح

هي التي تخلق كل ما هو موجود مسبقًا قبل وجود الإنسان كفرد في المجتمع. يعني المؤسسات الكبيرة كالصندوق النقدي والأمم المتحدة والدولة والبنوك وكل المؤسسات الرسمية الغير مشخصنة التي لها يديولوجيتها والتي لها رؤية بكلام معسول أي انها تريد أن تنقذ الكون وتوقف الحروب، كل هذا علك بعلك بالاخير.

نحن نعلم أنه لا ارتباط بين هذه المهام وهذه الرؤى والواقع، لذلك يجب النظر إلى ما خلف هذه الكلمات، يجب قلب المفاهيم. لذلك عملية.... وأعود إلى سؤالك المهم جدًا ألا وهي عملية التنمية بالذات منوطة بمفاهيم تنموية وهالمفاهيم التنموية هي نتاج لهذه المؤسسات التي هي فعلًا الفاعل التاريخي الحقيقية المجسدة لإعادة إنتاج الحروب والتدمير.

إلى هنا نكون وصلنا إلى ختام هذا الجزء من البودكاست مع المفكر الاقتصادي علي القادري، على أمل اللقاء بكم في الجزء التالي، والذي نسلط خلاله الضوء على جذور أزمة التنمية في دولنا العربية ودول العالم الثالث عموما، وهي الازمة التي لا تزال تشهد تفاقما مضطردا منذ بدأ التحول والانسياق الى عصر ما يسمى الليبرالية والانفتاح في ثمانينيات القرن الماضي، والذي دخلت خلاله في نفق التبعية لاقتصادات ومصالح الرأسمالية الغربية.

كما سنتعرف على العوامل التي دفعت تلك الدول، وخصوصا التي كانت تتبنى نهج الاشتراكية العربية، الى التخلي عن هذا النهج، رغم انها تمكنت خلاله من اعادة بناء اقتصاداتها وتحقيق نمو يفوق ما هو موجود حاليا، كما تؤكد المقارنات والأرقام المجردة.

طبتم أوقاتا، وإلى ذلك الحين،